علاج من السهل الممتنع..!
اعترت غالبية مؤسسات وشركات القطاع العام الإنتاجي –وتحديداً خلال سنوات ما قبل الأزمة- حالة من الترهل نتيجة تناقص الكفاءات والخبرات رغم ما كانت تزخم به من فائض عددي انكفأ معظمه بعيداً عن مواقع الإنتاج الحقيقية لاهثة وراء الأعمال الإدارية تحت ذرائع وحجج من قبيل عدم مساواة الأجر بما يبذل من الجهد.. وأن السن المتقدم نسبياً للبعض لم يعد يساعدهم على العمل العضلي.. وغير ذلك من الأسباب التي يحيكها عمال يفضلون قضاء ساعات عملهم بأدنى جهد ممكن، وبالتالي اضطرار إدارات مؤسسات وشركات هذا القطاع إلى ضخ دماء جديدة ليزداد فائضهم العددي وتحميل الشركات أعباء مالية خارج حسابات المدخلات والمخرجات الإنتاجية..!
هذا الأمر وضع الجهات المعنية وقتها أما سيناريوهات محتملة بين خصخصة هذه الشركات، أو التقاعد المبكر للشريحة العاطلة، وإحالة الآلات لخارج الخدمة، أو بيع أصول الشركات العامة لبعض الجهات العامة لإعادة استثمارها في قطاعات أخرى.. إلخ.
حالياً وضع هذه الشركات ليس بأفضل حال مما كانت عليه، فما جلبته عليها تداعيات الأزمة من تخريب ودمار انعكس بشكل مباشر على إنتاجها، يضع الجهات المسؤولة عنها أمام تحدٍ من العيار الثقيل لكونه مفتوحاً على خيارات عدة..إما الخصخصة وإما البيع وإما التشاركية، وإما اتخاذ إجراءات صارمة مدعومة بإدارة وإرادة حاسمتين وجديتين تعيد الألق لهذه الشركات تحت عباءة القطاع العام..!
نعتقد أن ثمة إجراءات تنضوي تحت مسمى “السهل الممتنع” كفيلة بإحداث تغيير بنسبة 180 درجة لواقع عمل شركات القطاع العام، تتمثل بالدرجة الأولى بضرورة ربط الإنتاجية بالأجر وزيادة الحوافز والمكافآت بهدف تقليص نسبة العاملين الراغبين بالانتقال إلى العمل الإداري، وأن يعمل القائمون على إدارة القطاع العام الإنتاجي بعقلية القطاع الخاص والاهتمام بالأبحاث والأفكار لتطوير الإنتاج، وعدم اتباع سياسة الأبواب المغلقة أمام الاقتراحات والأفكار التطويرية، والتركيز على الجانب التسويقي لمنتجاتهم عبر دراسة السوق بكل تفاصيله والتعرف إلى أذواق المستهلكين والزبائن المحتملين، إلى جانب القيام بحملات دعاية وإعلان بشكل مستمر..!
وقبل أن نختم نشير إلى ما سبق وأن تطرقنا إليه في أكثر من مناسبة..هناك أسباب عديدة أخلت بمعادلة نجاح قطاعنا العام الإنتاجي وتراجعه إلى الصف الثاني أمام نظيره الخاص، علماً أن ما يمتلكه الأول من مقومات مادية ولوجستية تفوق ما لدى الأخير الذي بدا خلال سنوات الانفتاح الاقتصادي الأخيرة – بنظر كثير من المراقبين – يسحب البساط من تحت من بقي على مدى سنوات طويلة سيد الموقف في اقتصاد يسارع الخطى بتثاقل ليحجز مكاناً له على خارطة الاقتصاد العالمي.. ليس أول أسباب خلل المعادلة الروتين والبيروقراطية وليس آخرها الفساد الإداري وما نجم عنه من تداعيات جعلته يأخذ دور الأب المغدق على أبنائه من دون أن يقدموا ما يكافئ – كحد أدنى – عطاءات الأب الذي أُثقل بعقوق أبنائه الناكرين لمسؤوليتهم تجاه ما اؤتمنوا عليه..!
حسن النابلسي
Hasanla@yahoo.com