تشوهات “اللمسة الأخيرة ” تتوعد مستقبل القطاع الزراعي “لغبصات ” السماسرة تفسد الطبخة وخبراء يدفعون بوصفة علاجية متكاملة
لم يستطع التسويق الزراعي إقناع الفلاح بالوصول إلى حالة الرضاء التام رغم إحداث مديرية خاصة بالتسويق، حيث لازال الفلاح في كل عام يجهر بصوته المبحوح بالتوسل والرجاء من أجل تسويق منتجاته مباشرة من قبل الحكومة بدلاً من استغلال التجار والسماسرة له، ليبقى التسويق الزراعي لحناً عذباً تعزفه وزارة الزراعة والجهات المعنية على أوتار أوجاع وآلام المزارعين الذين أبدوا عدم تفاؤلهم بمستقبل التسويق الزراعي، ولاسيما أنه ما زال يعتمد على المعارض ووسائل غير مجدية مالم تتدخل الحكومة بشكل مباشر وقطع الطريق على المستغلين من التجار والسماسرة، معتبرين عبر منبر “البعث” أن التسويق على الوضع الراهن سيبقى المعضلة المستمرة، ويبقى الفلاح الضحية مع وجود مشاكل وعقبات تعوق التسويق الحقيقي.
واستغرب الفلاحون من بيع منتجاتهم للتاجر بأسعار زهيدة ليفاجؤوا بأسعار مضاعفة لنفس المنتجات في الأسواق والمحال التجارية، مطالبين بتفعيل القرارات الصادرة بخصوص الأسواق الشعبية التي تسمح للمزارع بيع منتجاته للمستهلك مباشرة، علماً أن البلديات استغلت القرار لمصالح شخصية خاصة حيث طبقت قانون الأسواق الشعبية، ولكن من خلال عقود آجار لتجار مما يشكل مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين ليخرج الفلاح من المعادلة صفراً مكعباً.
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن التسويق عبارة عن عملية متكاملة تشمل وزارة الزراعة، وأسواق الهال، ووزارة الاقتصاد، والجمعيات الفلاحية، إلى جانب هيئة تنمية الصادرات، وعليهم أن يتعاونوا جميعاً لينهضوا بواقع التسويق الزراعي، لافتين إلى غياب خطة تسويقية موضوعة بوجود خطوط عريضة فقط بقصد تنمية التسويق وتطويره وحل المشاكل والمعوقات، وعزا الخبراء ضعف التسويق إلى الاهتمام الحكومي بتطوير الإنتاج الزراعي أكثر من الاهتمام بتسويق المنتجات الزراعية، فالوقت الذي نجحت الحكومة نجاحاً باهراً في عملية تسويق الحبوب والقطن اللذين يسيران بشكل جيد وفق الإجراءات المتخذة في التسويق، وهذا ما أكده مدير زراعة ريف دمشق الدكتور علي سعادات معتبراً أن تسويق القمح يعد أولوية حكومية متابعة من قبل جميع الجهات المعنية، إضافة إلى تسويق التفاح من الفلاح مباشرة مما انعكس إيجاباً على الفلاحين، داعياً إلى تسويق كامل المحاصيل من ثمار وخضار ومنتجات حيوانية أسوة بالقمح والتفاح ليحقق العدالة التسويقية ويعود بالمنفعة على المزارعين. في الوقت الذي لم يخفِ رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها محمد خلوف عدم تحقيق التسويق الزراعي الغاية المرجوة منه حتى الآن، حيث لم يقطف الفلاح ثمار هذا التسويق الزراعي الذي يسمع ونشاهد ندوات ومحاضرات عنه بشكل مستمر ودوري، وهنا يتفق معه رئيس اتحاد فلاحي طرطوس مضر الأسعد الذي طالب بإحداث شركة للتسويق متخصصة تتفرغ بتسويق كامل المحاصيل من الفلاح إضافة إلى تقديم الدعم الحكومي لهذه الشركة، ولاسيما في ظل الأعباء الكبيرة التي تقع على عاتق السورية للتجارة نظراً لقيامها بنشاطات عديدة، داعياً إلى تكثيف عمل السورية للتجارة ونقل المحاصيل وتسويق المنتجات الزراعية إلى صالتها بالمحافظات كافة، منوهاً بنجاح السورية للتجارة بتسويق الحمضيات الذي ترك حالة ارتياح عند الفلاحين، إلا أن موسم البطاطا لم يك تسويقه كالحمضيات، ومع محاولة الحكومة شراء جزء من المنتجات كالحمضيات او البطاطا وجزء منها عبر سماسرة، ولكن الكمية المستجرة جزئية ولأشخاص محددين معينين، وذلك حسب تأكيدات الخبير الاقتصادي الدكتور سنان ديب الذي أوضح أن الكثير من المنتجات مازالت خارج عملية التسويق إما تترك بلا قطاف وإما توضع علفاً كما حصل ويحصل للحمضيات أو يحصل للخضروات المحمية في وقت الذروة، معتبراً أن موضوع التسويق مشكلة كبيرة للفلاحين وأداة ربح وابتزاز لتجار السوق بالنسبة لأغلب المنتجات الزراعية ما عدا المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية التي تستجرها مؤسسات الحكومة بأسعار محددة تشجيعية كالقطن والقمح والشوندر في الوقت الذي تخضع بقية المحاصيل لأمور كثيرة كحجم العرض، وإمكانية التصدير ومزاج تجار أماكن شراء الجملة. موضحاً أنه قبل الحرب كان هناك منافذ خارجية تخفف من العرض إلى الدول المجاورة ودول الخليج وكان هناك تسهيلات وعدم غبن بالتكاليف من البذار للأسمدة للأدوات الأخرى. وكان هناك تدخل للحكومة حتى بنسب الربح والأسعار عبر أسعار تأشيرية، ولكن رغم ذلك يبقى السماسرة هم الأكثر ربحاً. وأشار الدكتور ديب إلى قلة العرض خلال الحرب لقلة الأراضي المزروعة وفقدان الأمان وبالتالي تقلص الأسواق وانعدام التصدير، وهنا كانت ظروف للكثير من تجار الجملة أو السماسرة للتحكم بالأسعار وتحقيق الاغتناء على حساب الفلاح. وتعرضت أسعار الكثير من المواد لهزات ربحية أو خسارة و ظل السمسار الرابح، لافتاً إلى أن عودة الأراضي وعودة الأمان سيكون الاتجاه العام لأغلب المواطنين في الأرياف الزراعية وذلك لتجذر الثقافات وسهولة التمويل وسرعة الإنتاج، إلا أن مشكلة التحكم من التجار ستبقى كون السوق محددة والعرض أكبر لعدم فتح أسواق خارجية حتى مع الدول الحليفة لتصدي بعض التجار من نفس نموذج المغتنين على حساب الفلاح وغير مهتمين بجودة المواد، إضافة إلى أن القيمة المضافة الناتجة عن الصناعات الغذائية خارج الحسابات ولم تفكر الحكومة بمصانع لباقي المنتجات كالحمضيات أو الزيتون ليبقى الفلاح محكوماً من فئة لا يهمها سوى زيادة أرباحها.
وفي نهاية القول هناك إجماع من كافة الخبراء لحل مشكلة التسويق بأن تمنح الحكومة ميزات واسعة لتشجيع قيام مجموعات تسويقية، وامتلاك مراكز التجميع، ووسائل النقل، لكي يتم نقل المحاصيل من الفلاح إلى المستهلك مباشرة، مما سيلغي دور الوسطاء والسماسرة.
علي حسون