“دو ري مي” ودور الفنون في الدفاع عن المجتمع
“دو ري مي” عنوان يشي بمضمون مسرحية الأطفال التي قُدمت على مسرح القباني بتوقيع المخرج غسان الدبس مع كاتب النصّ جوان جان، وترمي إلى تعزيز أواصر المحبة وترسيخ جذورها في ذهن الأطفال من خلال التركيز على دور الفنون في اكتساب قيم جمالية نبيلة يتحلى بها الطفل لمواجهة واقعه، فمن خلال الموسيقا والغناء والرسم تنجح ليلى في الحصول على الدواء، وفي الوقت ذاته تنتصر على الغزاة وتتصالح معهم ليحل التسامح بدلاً عن العنف ويسود الخير بدلاً عن الشر.
اعتمد المخرج على إشغال فضاء المسرح ككل بالخلفية التي عرضت صوراً متماوجة بآلية سينمائية لاسيما بمشهدية النيران، ومن ثم بخندق المياه، إلى فنية الإضاءة التي رافقت تتابع الأحداث، إلى إيقاع الرقص وحركة الأطفال، وإلى العزف على الفلوت والغناء، إلى الأزياء التي اتصفت بألوان مبهجة ( الأصفر- الأزرق- الأخضر- الأرجواني).
وتميزت الموسيقا التي أعدها سامر الفقير والتي بدأت بلحن إيقاعي متصاعد مع الوتريات وآلات النفخ الخشبية ليتوقف في مواضع مع نغمات البيانو، بينما شغلت النحاسيات بروح حماسية تشبه متتالية المارش العسكري جزءاً من العرض لاسيما في مواضع الدفاع عن مدينة الفرح.
اتسمت المسرحية بفنية التقطيع للمشاهد بصورة متسلسلة لتدور بين شخوص عدة، لتبدأ مع ليلى الفتاة الطموحة المحبة للغناء والموسيقا والتي تسعد من حولها بعزفها على الفلوت مع أبيها وأمها المقعدة التي تحتاج إلى الدواء من مدينة الفرح، لينتقل المشهد إلى الغولات اللواتي تحضرن لهجوم على مدينة الفرح، إلى الملك والحوارية بينه وبين ولديه حول إبداء الرأي بحماية المدينة وردّ الاعتداء عليها، إلا أن محاولتي حرق الغابة المحيطة بالمدينة وكذلك حفر الخندق حول سور المدينة تفشلان في ردّ الغزاة، لتنجح ليلى بالتصالح مع الغولات. وتبقى الفتاة الصامتة التي ترسم جانباً موضع تساؤل إلى أن يتضح دورها شيئاً فشيئاً.
التسلح بالعلم والفنون
“طفل اليوم ليس بحاجة إلى بندقية وإنما يحتاج إلى العلم والفنّ معاً”، بهذه الكلمات تحدث كاتب النص جوان جان ليصل إلى أن فكرة النص غير مطروقة، فليلى استطاعت الحصول على الدواء عن طريق الفنون والكلمة الجميلة، وفي الوقت ذاته انتصرت على الغزاة بالعلم والفن.
أما عن المعنى غير المباشر للنص وما يحمله من إسقاطات واقعية تطال ما يحدث على أرض سورية لاسيما بالتسامح والمصالحة، أجاب بأنه كتب العمل في العام الماضي أثناء المرحلة الأخيرة من الحرب الإرهابية، وبالتأكيد نتأثر بما يدور حولنا، فالكاتب لايمكن أن يفصل نفسه عن المحيط والنص هو رسالة محبة وتأكيد على الطفل الذي يجب أن يتسلح بالعلم والفنّ. وأشاد بالعرض ككل وبنجاح المخرج بتجسيد أفكاره على المسرح، وقد لمس تفاعل الحاضرين لاسيما الأطفال مع كل العناصر، فلم يشعروا بحالة ملل أو رغبة بالخروج، ليخلص إلى أن هناك حالة انسجام تام بين الصالة والجمهور.
وتحدث المخرج غسان الدبس عن جمالية الموسيقا وتناغم حركات الأطفال معها، فأشاد بموسيقا سامر الفقير التي أغنت العرض، وتابع عن المؤثرات الفنية التي تتناسب مع المناخ العام للعمل المسرحي، وذات خصوصية، أما عن دور الفتاة الصامتة التي ترسم فأوضح بأنها جسدت دور الراوي برسم شخوص العمل بالريشة، فكان المشهد يبدأ برسمها لينبعث صوتها من خلال الكاركترات وفي النهاية رسمت الغولة بصورة لطيفة لتطويع الشر لصالح الخير، فجسدت التأثير التشكيلي والنفسي والحكائي.
أما عن الأداء التمثيلي فأوضح الدبس بأنه يرسم حركة الطفل لكن لايقيده ويترك له حرية الانفعال الطفولي، وأضاف: لم أرغب بالاعتماد على راقصين احترافيين لأننا نبقى بحاجة إلى الطفل.
جمالية الفكرة
وأبدت الفنانة إنعام الدبس سعادتها بتجسيد دور إحدى الغولات وبانتصار الخير، وعن وقع حركتها الراقصة مع الأطفال أوضحت بأن حركاتها كانت تفاعلية مع حركات الأطفال ورقصاتهم، وأشادت بالحضور الكبير على مدى أيام العرض، وتعزو ذلك إلى جمالية الفكرة كما تطرقت إلى أنسنة الغولات واستبعاد فكرة إخافة الأطفال، وهذا يعزز قيم الجمال والحب في عالمهم.
إحساس ينبع من القلب
الطفل ربيع جان الذي جسد دور ابن الملك الذي يقع بأخطاء تحدث عن دور المخرج بمساعدته لإظهار الشخصية كما رسمت مع إضافة بعض التعديلات البسيطة، ويرى ربيع بأن التمثيل على خشبة المسرح أكثر متعة من السينما لأنه على تواصل مباشر مع الجمهور ويقرأ تفاعلهم معه.
في حين جسد شادي جان دور ابن الملك الثاني الذي يتصف بالرأي الحكيم، وبيّن بأنه يميل إلى التمثيل على المسرح لأنه يكسبه قوة أكبر للتفاعل مع الدور وتأديته بإحساس صادق ينبع من القلب.
شارك بالتمثيل: ماريا عيد- ربيع جان- شادي جان- جوليا سالم- بتول عيد-ماجد عيسى- جمال نصار- تماضر غانم- رشا الزغبي- إنعام الدبس-محمد سالم – روجينا رحمون- سنا حسن ).
ملده شويكاني