قضية رأي عام على طاولة نقاش “هامس “.. الزواج المدني والوجه الآخر لــ ” أبغض الحلال ” بين الشرع والتشريع
لطالما كان الزواج ضرورة لبقاء الإنسان، والحفاظ على وجوده على مر التاريخ والعصور، ومما لا شك فيه أن لكل مجتمع عادات وأعرافاً وتقاليد ناظمة له، وبالطبع لعب الدين دوراً أساسياً في نظم معظم هذه العلاقات البشرية، وتأطيرها، بما فيها مؤسسة الزواج.
واليوم مع ظهور المنابر الفكرية التي أتاحتها شبكات التواصل الاجتماعي، كثر الحديث عن أنواع متعددة لمؤسسة الزواج بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات كالزواج المدني والديني الذي يتضمن العرفي، ما حدا بالبعض لطرح تساؤلات كثيرة، منها: هل سيتنامى هذا المخاض الاجتماعي لزرع بذور الانقسام، أم سيكون العكس؟.. الانفتاح وتقبل آراء الآخر مهما اختلفت معه، خاصة أن سورية تتسع للجميع، وربما هذا هو التحدي الأكبر ربما؟!.
قضايا جدلية
قضايا جدلية وشائكة، منها ما كان قبل الحرب، ومنها ما ظهر مع سنوات الحرب، تعددت تلك القضايا الاجتماعية، والاقتصادية، والمعرفية المصيرية، فاليوم مثلاً بتنا نسمع ونقرأ الكثير عن الزواج المدني، وأهميته للبعض، ورفضه من قبل البعض الآخر، حيث تتعالى أصوات الكثيرين منددة لمجرد طرح الموضوع للنقاش، فيما يقف البعض معه، والمثير للاستغراب حجم الجهل بالمعنى الحقيقي للزواج المدني وماهيته رغم العدد الكبير من الأشخاص الذين يبدون رأيهم به، سواء ضد أو مع، من دون المعرفة الحقيقية به، وربما هذا يحيلنا إلى مسألة مهمة جداً وهي ضرورة معرفة قياس الرأي العام، وكيفية تكوينه وصناعته على أسس علمية بعيداً عن الغوغائية، والتسرّع باتخاذ وإبداء الرأي.
وجهة نظر قانونية وحقوقية
يعتبر بمفهومه القانوني عقد زواج ثنائياً بين رجل وامرأة برضى الطرفين كما في جميع العقود المدنية، يقوم على قبول تشاركية الحياة الاجتماعية، والرعاية، والمساواة، وحق تكوين الأسرة في المجتمع، ويتم توثيقه من قبل موظف حكومي تابع لمديرية الأحوال الشخصية، وأمام شاهدين اثنين، ويكفل حق الإرث، وقد يضع حداً لزواج القاصرات السائد في مجتمعنا، لأنه يعد السن القانونية اللازمة للزواج هي سن الثامنة عشرة، ويحقق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
الكثير من مؤيدي هذا النوع من الزواج يستشهدون بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 16 المتضمنة حق الرجل والمرأة بالزواج، وتأسيس الأسرة دون قيد أو شرط، وأن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، والحق بحماية المجتمع والدولة لها، وهذا حقيقة لا يتناقض مع ما ينصه الدستور السوري فيما يخص موضوع الأسرة، وأهميتها، وأهمية مؤسسة الزواج، مع فارق وضع شرط بضرورة أن يكون الطرفان يتبعان المعتقد الديني نفسه بطبيعة الحال.
الجدير ذكره أن الزواج المدني يكفل حرية العقيدة، ويمنع تعدد الزوجات، وهنا يستحضرنا موقف تم الحديث عنه على لسان إحدى المحاميات التي بحكم معرفتها بالقانون ونصوصه اشترطت على زوجها عند تثبيت عقد الزواج في المحكمة شرطاً أساسياً ألا وهو عدم قدرته على الإقدام على الزواج مرة أخرى، وإذا حصل ذلك تملك الحق بطلب الطلاق مع أخذها لكل حقوقها بشكل فوري.
القاضي المتقاعد فايز سلهب تحدث عن التعريف القانوني للزواج المدني بأنه زواج بموجب عقد بين امرأة ورجل لإقامة علاقة زوجية، ويتم إجراء هذا العقد ضمن مؤسسة دولة، كأن تكون في مكتب تنفيذي تابع للإدارة المحلية للدول التي تقر هذا النوع من الزواج، وتترتب عليه حقوق للزوجة تخالف الحقوق التي توجد في الزواج الديني، وأنا أعتقد أن الزواج المدني حالة متقدمة حضارية، ولكن تنفيذها الآن غير ممكن لأنها تحتاج إلى تعديل دستوري يشمله تعديل في قانون الأحوال الشخصية، إضافة إلى تهيئة المجتمع، وإعادة صياغة للفكر، وبعدها ربما نتحدث عن هذا الأمر.
مناسبة الطرح
في خضم الأحداث التي عصفت بسورية نتيجة الحرب الظالمة عليها، بدأت ظواهر ومصطلحات بالظهور لم تكن موجودة قبل، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، والقائمة تطول، وإضافة لذلك لوحظ مستوى عال من الوعي، خاصة عند فئة الشباب، وهذا ما عكس روح الثقة والمسؤولية عند هذه الفئة الواعدة، فأُطلقت الحملات، وتأسست الجمعيات، وأُقيمت الفعاليات، ومن بين الحملات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، سواء أيدناها، أو وقفنا ضدها، حملات داعمة لحرية الزواج المدني ومفهومه بعيداً عن الخرافات المنتشرة حوله، وحسب رأي أصحاب هذه الحملات فإنها تدعو إلى المساواة، وإطلاق الحريات الشخصية، متخطية بذلك كل الاختلافات الاجتماعية.
كابي طعمة أحد مؤسسي مجموعة قام أعضاؤها بوضع مسودة مشروع قانون عن الزواج المدني الاختياري يراعي القوانين السورية من قبل حقوقيين، بعد قراءة متأنية للقوانين السورية، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سورية، ليتم عرضه فيما بعد على بعض أعضاء مجلس الشعب من أجل مناقشته تحت قبة البرلمان، وحسب ما أوضح طعمة فإن رفض المشروع محتمل، ولكن تبقى مناقشته خطوة إيجابية، خاصة أنه على المستوى الشعبي يتزايد القبول والدعم له.
التحولات الفكرية واختلاف الآراء
هذا الموضوع بالغ التعقيد، حسب رأي الدكتور في كلية التربية جامعة حلب حليم أسمر الذي أوضح قائلاً: “إن الزواج المدني ليس مسألة متعلقة بالتصويت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يسمى قضية رأي عام، في الغرب الزواج المدني قانون له تشريعاته مثل الزواج الحاصل في الكنيسة، أو الشريعة الإسلامية، إضافة إلى وجود ثلاثة قوانين للزواج في الغرب، لذلك يجب ألا نأخذ الموضوع كموضة، فهو ليس بالأمر السهل، والسبب ليس عدم الرغبة بالحديث عنه، ولكن لأنه تشريع مدني له أحكامه، وخصائصه، وسماته، وموجباته، حتى إن الطلاق موجود في هذا النوع من الزواج، ولذلك لا مانع من الدخول إلى قوانين الزواج المدني في العالم، مع ضرورة أخذ العلم أن تطبيق هذا الأمر في واقعنا يحتاج إلى كثير من الهدوء والتروي، إضافة إلى نقطة مهمة جداً تتعلق بمدى قابلية استجابة المؤسسات الدينية له على اختلافها؟.. وهنا السؤال الصعب الذي يحتاج إلى وقت للإجابة عنه، متابعاً بأن للحرب تجليات كثيرة، ونتيجة لذلك تم كشف الغطاء عن الكثير من المشاكل، واليوم يجب أن نسأل أنفسنا: ما هي النتائج والمردود الفكري لمناقشة هذا الأمر؟!.
بالتأكيد هناك تداخل بين الداخل والخارج نتيجة الهجرة والنزوح، لذلك نحتاج لمزيد من الهدوء في معاينة هذا الأمر شديد الحساسية، ومن الضروري جداً أن نكون موضوعيين من دون الانسياق وراء بعض المعطيات التي قد لا تكون واقعية، إذاً كل بلد فيه قوانين بالضرورة، والزواج المدني قانون، لذلك يتوجب علينا مناقشة الموضوع بطريقة جدية، ومعرفة مدى وقدرة تحمّل واقع سورية الحالي لهذا الأمر، الزواج هدفه أسرة، ومفهوم الأسرة مفهوم شامل يأخذ بعين الاعتبار أنها تمثّل مشروعاً تنموياً مجتمعياً، وتعتبر اللبنة والنواة الأولى التي يتكون منها المجتمع لاحقاً.
أستاذة الفلسفة في جامعة دمشق رشا شعبان رأت أن الزواج المدني حق، فمسألة الزواج ليست علاقة دينية، وإنما إنسانية بامتياز، ولها تبعات اجتماعية، وأسرية، واقتصادية، لأنها علاقة شراكة، لذلك لا مانع من أن يختار الطرفان زواجاً مدنياً قائماً على أساس مشترك إنساني، وفكري، وعاطفي، واجتماعي، خاصة أن الأبناء الذين يكونون ثمرة هذا النوع من الزواج، غالباً ما يتقبّلون الآخر ويحترمونه، والذين يتحايلون على الدين ويعملون ضد قناعاتهم، عادة ما يبدؤون حياتهم الزوجية بالكذب، ومن الضروري أن يواجهوا الحقائق، وأن يكونوا حقيقيين، لأن العلاقة النفعية مع الدين تسيء إلى جوهر الدين الذي يقوم على الإيمان الحقيقي، والقناعة، ومن هنا يجب أن نترك لكل إنسان حرية الاختيار ليؤسس علاقة متينة مع الدين تنفي عن الأشخاص صفة استغلالهم له لتحقيق غايتهم، نحن نهدف إلى سورية العلمانية المدنية، وهذا بالتأكيد لا يعني الاستهتار بالدين، بل على العكس من الضروري الاحتفاظ بقدسية الأديان.
الدعوة إلى مقاربة موضوعية
مجمل المقاربات هي ذات بعد أيديولوجي، أو قانوني، أو حقوقي، حسب ما فسرها البعض الذين تمنوا لو كانت هناك مقاربات اجتماعية، مع العلم أن أي قانون ذي مضمون اجتماعي ليس ببعيد عن النتائج الاجتماعية التي من الممكن أن تنتج عنه، آراء مختلفة ومتناقضة بشكل غريب تؤكد ضرورة مناقشة الموضوع بهدوء ومسؤولية بعيداً عن الانفعالات والتعليقات السطحية التي تحمل الكثير من الجهل، وتسخف أي موضوع مهما بلغت درجة أهميته أو قلت، لذلك من البديهي أن يأخذ الحديث في هذه القضايا المصيرية بعداً أكثر موضوعية ومنطقية، لأن صياغة القوانين، أو تغييرها، أو تعديلها، يجب أن تتم من قبل خبراء وحكماء بالمعنى الفعلي لهذا المصطلح، فمستقبل الأوطان لا تصيغه مهاترات، أو آراء ليست لها صلة بالواقع من هنا وهناك، فالقوانين هي أيضاً عقد اجتماعي، ومن الضروري أن تراعي مصلحة كل أبناء الوطن، وبالتالي تكون حصيلة التوافق والانسجام بين الجميع، بكل ما يتعلق بمفاصل الحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، حتى نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الحساسة والخطيرة التي يمر بها الوطن.
لينا عدرة