أخبارصحيفة البعث

عمليات «التشبيك الاستراتيجي» بين الخليج والكيان

 

د. مهدي دخل الله

لا تقتصر العلاقات بين الدول على التبادل الدبلوماسي، أي الاعتراف الرسمي (de jure)، بل إن هذا الاعتراف ليس مهماً من وجهة نظر واقعية، فهناك ما هو أهم منه، هناك الاعتراف العملي أو الواقعي (de facto)..
تقليدياً كان الاعتراف الرسمي مقدمة للتعامل العملي، اليوم انقلبت المعادلة، وأصبح الأول محصلة – غير ضرورية – للثاني..
وأخطر ما في هذا التحوّل هو عدم الاقتصار في العلاقة العملية على التجارة أو الثقافة أو غير ذلك، وإنما هو التشابك الجيواستراتيجي الذي يُبنى على التوافق الاستراتيجي..
التوافق الاستراتيجي: هو تطابق السياسة الدولية لبلدين أو أكثر في إطار استراتيجي واحد عبر مستند جيوسياسي مشترك، أي تناغم موسيقا البلدين في إطار أوركسترا يقودها مايسترو واحد.
التوافق الاستراتيجي اليوم قائم بين بعض أنظمة الخليج مع الكيان الصهيوني، فالمايسترو واحد هو الولايات المتحدة، والأعداء أيضاً مشتركون، وهم محور المقاومة الإقليمي، ومحور الاستقلال الممتد عالمياً…
التشابك الجيواستراتيجي: وهو تحوّل خطير جداً، لأن مفاعيله طويلة الأمد. يستند هذا المفهوم إلى الربط الجغرافي الاستراتيجي (أي الدائم) بين دول عدة.
منذ أكثر من سنتين أشرت إلى هذه الظاهرة الخطيرة في لقاء تلفزيوني. اليوم تتضح الصورة بشكل ملفت. يقوم الصهاينة منذ فترة بإنشاء ميناء دولي ضخم في حيفا مع سكة حديد إلى العقبة، ومنها إلى الداخل الخليجي وصولاً إلى مياه الخليج.
هذا يعني إضعافاً لدور موانئ بيروت وطرطوس واللاذقية التي كانت مدخل التجارة الأوروبية مع الخليج، ويريد الصهاينة إضعاف الموقع الجيواستراتيجي المميز لسورية، وإلى حد ما لبنان، في إطار التبادل الخليجي – الأوروبي .. ليس هذا فحسب، هناك أيضاً إضعاف لقناة السويس التي كانت ممراً للبضائع الأوروبية إلى جدة، ومنها إلى الإمارات على الشاطئ الغربي للخليج…
إنه تشبيك خطير جداً، وهم يعملون على إتمامه تحت غطاء انشغال الرأي العام في منطقتنا بالأحداث السياسية والعسكرية. هم يتسللون إلى واقعنا تحت جنح الظلام، فماذا نحن فاعلون؟…
توافق استراتيجي، ثم تشبيك استراتيجي، وبناء «مصالح» طويلة الأمد. كل هذا يؤسس إلى تغيير بنيوي في طبيعة المنطقة وتاريخها وبديهياتها.
كيف ستتصرف شعوب هذه الدول العربية، وهي تشاهد بأم العين تقطيع أوصال أمتها ووطنها الكبير. أين القوى الحية في هذه الأمة، وهل يرتقي أبناء الأمة إلى مستوى التحديات الكبرى؟؟..
mahdidakhlala@gmail.com