هل ترد أوروبا على تنمّر ترامب؟
ترجمة: علاء العطار
نيويورك تايمز 21/6/2018
أفل الزمان الذي كان فيه الحفاظ على أوروبا متحدة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فبعد بروز الولايات المتحدة كبلد قويّ بعد الحرب العالمية الثانية، عملت جاهدة لبناء مجتمع غربي يستند إلى القيم والتجارة والأمن حول التحالف عبر الأطلسي، ومنحت نفسها لقب زعيم العالم الحر.
لكن ترامب اتخذ نهجاً مختلفاً، فقد ضايقته كل تلك المجاملات الدبلوماسية، والقيم الليبرالية، والقواعد، والمؤسسات الدولية، والاجتماعات متعددة الأطراف، والقضايا النبيلة، وعندما كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تُصارع أزمة سياسية رهيبة في ألمانيا هذا الأسبوع، وجّه لها ترامب انتقاداً غير مبرر حول كيف أن الهجرة “تقلقل تحالف برلين الضعيف أصلاً”، مضمناً كلامه كذبةً بأن الجريمة في ألمانيا ازدادت إلى حدّ بعيد بسبب المهاجرين.
في الواقع، كان الرئيس الأمريكي مبتهجاً بأن حكومة أهم دولة في أوروبا قد تنهار، وسيتبع هذا الانهيار عواقب وخيمة على القارة والتحالف عبر الأطلسي، لكن هل كانت تغريدته على تويتر مجرد دفقة شماتة من متنمّر خسيس ومتهور ونرجسي؟ أم هل يُعدُّ تدمير نظام ما بعد الحرب مهمةً أيديولوجية للسيد ترامب، كما هي بالنسبة لستيفن بانون، مستشاره السابق؟..
لقد أربك هذان السؤالان القادة الأوروبيين، وكثيراً من الأمريكيين، حيث أبعد ترامب أصدقاء أمريكا وحلفاءها دون اكتراث، وألغى الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها بشق الأنفس، وألغى معاهدات التجارة، وهدّد بالحروب التجارية، وأشاد بالطغاة القساة، وهلّل للديماغوجيين الشعبويين.
في النهاية، السبب غير مهمّ، فقد أرخت الترامبية، مهما كان أصلها، بظلالها على العالم، والسؤال هو كيف يجب أن يستجيب أولئك الذين يؤمنون بقيمة نظام ما بعد الحرب وقيمه الأخلاقية؟ أصبح من الواضح أن مداهنة السيد ترامب لن تجدي نفعاً، وقد يكون تبادل الإهانات مرضياً، كما فعل دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، في أيار -“لا حاجة لأعداء بوجود هكذا أصدقاء؟”– ولكن لن يتعدى الأمر ذلك الشعور.
يجب أن يبدأ ردّ أوروبا على ترامب بإلقاء نظرة فاحصة على الحقائق، فأوروبا متشظية إلى حدّ خطير، الشمال ضد الجنوب، والشرق ضد الغرب، ويعود هذا إلى الأزمات الاقتصادية، والهجرة الجماعية، وصعود الشعبوية، وانتشار الشكوك حول الفائدة من أوروبا موحدة، شكوكٌ عبّر عنها “البركسيت” بكل جلاء، ومعاداة ترامب لن تكون كافيةً لتوحيد الأوروبيين في أي وقت قريب بشأن قضايا مثل إصلاحات منطقة اليورو أو التجارة أو اللجوء، خاصة وأن اليمين الأوروبي المتطرف يُمجّد ترامب.
علاوة على ذلك، فإن ترامب محق في توجيه الاتهامات، كما فعل أسلافه، بأن أوروبا لا تدفع حصتها العادلة للأمن الغربي، لقد تحسّن إنفاق أعضاء “الناتو”، وحالياً، تنفق الولايات المتحدة وسبعة أعضاء آخرين فقط ما لا يقل عن 2 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وفقاً للبيانات الجديدة للإدارة، ويجب أن يتحسّن ذلك أكثر، ليس من منطلق الإنصاف وحسب، بل أيضاً إنْ أرادت أوروبا أن تحافظ على أهميتها في الشؤون العالمية.
لكن الأوروبيين وأعضاء المجتمع الغربي الأوسع يمكنهم، بل ويجب عليهم، أن يقفوا في وجه تنمّر ترامب، فالولايات المتحدة لم تعد مهيمنة كما يودّ أن يعتقد السيد ترامب، وبالفعل، يرد الاتحاد الأوروبي وكندا ودول آسيوية على حمائية السيد ترامب بصفقات تجارية متفرقة متعددة الأطراف، وعليهم أن يفعلوا ما بوسعهم ليبينوا للصناعة الأمريكية التكلفة الضخمة لحرب تجارية كاملة، وعلى الأطراف الموقعة على اتفاق باريس بشأن المناخ وعلى الاتفاق النووي الإيراني أن تحافظ على هذين الاتفاقين حتى من دون الولايات المتحدة.
ويجب أن يعلنوا باستمرار أن للقواعد والعلاقات والقيم التي تمّ تجميعها عبر الأجيال أهمية كبيرة وأنها تستحق القتال لأجلها، وعندما يفعلون ذلك، عليهم أن يضعوا في الحسبان أن إلى جانبهم العديد من الأمريكيين المؤثرين في معارضة نزوات ترامب المتهورة، بما في ذلك العديد من الجمهوريين وحتى بعض المسؤولين داخل الإدارة.