مساعي الوصول إلى صيغة مشتركة لإمكانية تطبيقه المعيار الدولي في الأداء المصرفي يصطدم بقدم بيانات المصارف السورية
لاشك أن النتائج الإيجابية للإفصاح المالي الحقيقي والمطابق للواقع في البيانات المالية للمصارف، تنعكس على مكانة المصرف وسمعته وازدياد ثقة المتعاملين معه من جهة، ويمنحه القدرة على تقييم أرصدته المالية وقدرته على التمويل من جهة أخرى، ولعل الضامن الأساسي للوصول إلى هذه الصورة المشرقة هو المعيار الدولي رقم 9 الذي تم اعتماده من المجلس الدولي للمعايير المحاسبية، كأساس منطقي واحد يتعلق بالتصنيف والقياس للأدوات المالية، وبتوقع الخسائر ونموذج انخفاض القيمة وأسلوب الإصلاحات المستدامة في محاسبة التحوط، وبالتالي تجنب الوقوع في خانة الإقراض المتعثر.
شكوك حول الجدية
وعلى الرغم من بدء تطبيق هذا المعيار في المصارف العالمية والعربية ومنها السورية التي أعلنت عن التزام ببدء التطبيق منذ بداية العام الحالي، إلا أنه –وفقاً لما تم إنجازه في هذا الملف- يبدو أن تطبيق المعيار لم يؤخذ على محمل الجد لدى الجهات المعنية بعد، إذ لم يخرج الاجتماع الأخير للجنة المعنية بهذا الملف والذي تم عقده منذ يومين عن إطار الاطلاع على المراحل التمهيدية التي تبين مدى إمكانية تطبيق المعيار في المصارف، مما يشي بتقصير فعلي لما يترتب إنجازه على هذه الجهات من جهة، أو ازدياد حجم العوائق التي تواجه مرحلة بدء التطبيق من جهة أخرى.
بيانات قديمة
لعل عدم اتخاذ حلول مجدية لمعالجة العوائق أطال الفترة التحضيرية لتطبيق المعيار، مما يعكس تراخي الجهات المعنية في آلية المعالجة، كعدم صدور دليل إرشادي حتى اليوم للتطبيق من قبل مصرف سورية المركزي، إضافة إلى غياب الدورات التدريبية العلمية التي تؤهل الكوادر المصرفية للعمل وفقاً للمعيار الجديد، كما تشكل نوعية البيانات الموجودة في أي مصرف وخاصة المصارف العامة أبرز التحديات، بحسب خبير مصرفي، لكونها بيانات قديمة لا تلبي ولا تنسجم مع متطلبات المعيار، في حين أن تطبيق المعيار يحتاج إلى بيانات تفصيلية ونوعية خاصة فيما يتعلق بالقروض وأنواعها، كدراسة البيانات الشخصية والمالية لكل مقترض، ونوع القرض الممنوح، والتي يتم الاستناد إليها في تقييم المحفظة المالية، وبالتالي فإن كبر حجم المحافظ الموجودة والتي تتجاوز مئات الآلاف في المصارف العامة -على خلاف محافظ المصارف الخاصة- يزيد من فرص تعثرها في تطبيق هذا المعيار، إضافة إلى إشكالية تأمين بنية وأنظمة تقنية خاصة بالمعيار والتي تتطلب تعاقد المصارف مع الشركات المالكة للبرمجيات والأنظمة اللازمة له، وبناءً عليه يبدو أن المصارف العامة أكثر تعثراً في تطبيقه من نظيرتها الخاصة نظراً لوجود محافظ قروض قديمة ومتعثرة فيها، إلى جانب أن بياناتها المالية القديمة لا تنسجم مع النظم التي يعمل المعيار وفقها.
خسائر محتملة
حاول رئيس اللجنة الدكتور عبد الرزاق قاسم تبديد قتامة الصورة الحالية، بتأكيده أن اللجنة المعنية تواصل اجتماعاتها بغية الوصول إلى صيغة مشتركة بين المجلس الأعلى للمحاسبة والتدقيق من جهة، ومصرف سورية المركزي والهيئة العامة للأوراق المالية من جهة أخرى، وذلك من أجل تحديد الخطوات المطلوبة لكل جهة ومعرفة مدى إمكانية تطبيقه في المصارف، مبيناً أنه تم إلزام جميع المصارف بتقديم مذكرات تبين فيها مدى قدرة المصرف على تطبيق المعيار المذكور، وماهية المعوقات التي تعترض تطبيق المعيار وآليات المعالجات المقترحة، متوقعاً صدور الدليل الإرشادي من مصرف سورية المركزي خلال الفترة القريبة القادمة.
متابعة
وبين قاسم أن أهمية تطبيق المعيار تكمن في فرض تكوين مخصصات وفق مدخل بعنوان الخسائر الائتمانية المتوقعة، وبالتالي يمكن للمصارف مجابهة الخسائر المحتملة في الأدوات المالية ووقايتها من الإقراض المتعثر، إضافة إلى انعكاسه الإيجابي على أرباح المصارف وكفاية رأس المال، ومقدرة المصارف الإقراضية، مشيراً إلى أن الآلية المتبعة في السابق كانت تقوم على تكوين مخصصات على القروض وفق الخسائر المتكبدة، مما أدى إلى التأخر بالاعتراف بالخسائر في المصارف، وهي التي شكلت سبباً رئيسياً من أسباب الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008، وبالتالي فإن تطبيق المعيار سيؤدي إلى تكوين مخصصات كافية، إضافة إلى قيامه بتعديل هيكلي شامل لمحاسبة التحوط، والذي من شأنه تحقيق المواءمة بين المعالجة المحاسبية وأنشطة إدارة المخاطر، مما يتيح لكيانات الأعمال أن تعكس تلك الأنشطة بشكل أفضل في بياناتها المالية.
فاتن شنان