من ذاكرة المونديال
لا يغيب عن ذاكرة العرب ذلك الصيف من عام 1982 حين اجتاح الغزاة الإسرائيليون بدباباتهم بيروت عاصمة لبنان الجميل المكتظ بالأحلام السياسية ورايات النضال، وكانت تدور حروب في مكان آخر من العالم القائم على توازنات الحرب الباردة على حساب الضعفاء والفقراء على هذه الأرض، منها حرب جزر الفوكلاند بين بريطانيا الغنية والأرجنتين وغيرها من حروب القارة الأفريقية وآسيا وتبعها بسنوات برامج “حرب النجوم الريغانية” فيما كانت حروب من نوع آخر في مونديال كرة القدم الذي توج البرازيل بنجومها السمر ملوكا على عرش الكرة، هذا العالم القائم على الصراع سواء بأدوات القتل أو التجويع أو بأدوات التنافس النبيلة حيث لا دم ولا قتلى ولا مشردين، وحيث تمتعنا هذه الحروب المسالمة التي تقرر نهاياتها أقدام اللاعبين ونتعاطف معهم ونتألم لهزيمة بعض الفرق ونرغب بهزيمة فريق وفوز آخر، رغبة وتعاطف مدفوعين بعدة أسباب منها متعلق بالسياسة ومنها رياضي محض منوط بكفاءة المحبوب وتاريخه الكروي، وقد يجتمع السببان في كل واحد أو في نجم، فحسبي أن هذا من اكتمال اليقين بالعاطفة، ومثال ذلك التعاطف الذي حصده اللاعب البرازيلي الراحل سقراط الذي ناضل من أجل العدالة الإنسانية والديمقراطية في بلده والعالم: “سأكون أكثر تأثيرا لو كنت لاعبا جيدا وإن انتصاراتي السياسية أهم من انتصاراتي كلاعب محترف، لأن المباراة تنتهي بعد 90 دقيقة لكن الحياة تستمر بعدها.. أكافح من أجل الحرية واحترام الإنسان، من أجل المساواة، من أجل إجراء مناقشات واسعة وطليقة بلا قيد، أكافح من أجل الديمقراطية، أنا لست لاعبا، أنا إنسان”.
عندما توفي سقراط في العام 2011 ، قال الرئيس البرازيلي في خطاب النعي: “لم ينصف الإعلام الرياضي العالمي سقراط، لا لسبب إلا لكونه ماركسيا، ونحن البرازيليين نعلم علم اليقين أن لعب سقراط في الميدان وأخلاقه الثورية والوطنية أكبر من كل لاعبي كرة القدم مجتمعين”.
أكسم طلاع