رغم الحرب.. “بكرا النا” مشروع يرعى مواهب الأطفال في مدارسهم.. ويخرج مستقبلهم من دائرة الحرب
رغم مرارة الحرب التي مررنا بها، وباتت في آخر أيامها، أثبت الراغبون في استمرار عجلة الحياة، والعازمون على الوقوف مع الشريحة الأكثر هشاشة في المجتمع، أن العمل لا يمكن أن تعوقه الظروف، أو أن تكون حائلاً أمام تقدم المشاريع، لاسيما تلك التي تعنى بالطفل بعمر الخمس سنوات وحتى الـ 15، وهنا نتحدث عن مشروع “بكرا النا” الذي ترعاه محافظة دمشق، ونادي المحافظة، والذي انطلق في الـ 2014، واستهدف الطفل بشكل مباشر عبر تنمية مواهبه، والوصول بها لأعلى الدرجات.
مجاني ودون انتقائية
ومع نأي بعض الجهات بنفسها عن الاهتمام بـ “طفل الحرب”، رغم أنه من اختصاصها، يأتي “بكرا النا” في زحمة هذا الضياع ليكون متنفساً لمئات الأطفال في أكثر من 16 مدرسة ومجمعاً في دمشق وريفها، مقدماً نفسه كراعي مواهب الصغار في الرسم، والنحت، والموسيقا، والتمثيل، والرياضة، والشطرنج، والإبداع، وهو مجاني صيفاً وشتاء، محمد السباعي مدير المشروع بيّن لـ “البعث” أن اختيار المدارس يتم بالتعاون مع وزارة التربية دون أية انتقائية، فاستهدف العشوائيات، وريف دمشق، ودمشق، وبعد اختيار الطفل للموهبة التي يرغب بها يتم تدريبه على أيدي مدربين مؤهلين يخضعون بدورهم لدورات تدريبية تحت إشراف خبراء وأكاديميين من سورية وخارجها بغية الوصول لنتائج مرضية للأهالي وللأطفال، مبيّناً أن وجود مثل هذه المشاريع في ظل الحرب أمر ضروري وحتمي، لاسيما للأطفال بغية إخراجهم من دائرة الرصاص والنار، وإشعارهم أن الحياة مستمرة رغم كل الظروف، ومن أهم أهداف المشروع، بحسب السباعي، زرع حب الوطن، واحترام قدسيته ورموزه، ونشر المحبة في المجتمع دون تمييز، وبعد دخول “بكرا النا” عامه الرابع، يرى مدير المشروع أن السير بالوتيرة نفسها سيصل بالأطفال المميزين والموهوبين للنجومية، لاسيما بعد سفر المتميز منهم إلى روسيا والصين، وحصد الميداليات والمراتب الأولى، في وقت أشار السباعي إلى أن إدارة المشروع أنفقت مبالغ كبيرة خلال 4 سنين على دورات تأهيل الكوادر من خريجي الجامعات، حيث بلغ عدد الخريجين المؤهلين أكثر من 800 خريج وخريجة أخضعوا لدورات تدريب مجانية، وتم توفير 1000 فرصة عمل كحد أدنى خلال 3 سنين ونصف.
ومن الداخل
رئيس قسم الموسيقا بمشروع بكرا النا، وقائد السيمفونية الوطنية، ميساك باغبورديان بيّن أن المشروع يغطي مناطقياً كل شرائح المجتمع، لأن الهدف ليس إنماء موهبة، وخلق عازف، بقدر ما يهدف لتوفير حالة اجتماعية موحدة ومتوازنة على الصعيد الإنساني، والموسيقا برأيه تترك مساحة للأطفال لممارسة حقهم في طفولتهم، وهي ضرورية خاصة في ظروف الحرب والأزمة، وحالة التداخل السلبي، من جانبها بتول الماوردي، من قسم الفنون البصرية، أوضحت بأن المشروع يؤكد على قصة التشبيك، وتقبّل الآخر، ومحبة الوطن، والهدف الأساسي منه الوصول لأكبر عدد ممكن من الأطفال بمختلف المدارس، بدوره أوضح رئيس قسم الإبداع الدكتور سيمون خوري أن دورهم في البداية تمثّل بالبحث عن الحالات المبدعة الموجودة في المدارس من عمر 6 سنوات للصف العاشر، ابتداء من عملية التقصي عن المتفوقين في اختصاصاتهم، وذلك بعد التشبيك مع المدرّسين كونهم على احتكاك دائم مع التلاميذ والطلاب، وسؤالهم عن المتميزين في مادة الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، إلى جانب طلب كشف تفصيلي عن درجاتهم في مراحل ماضية، “سجل علاماتهم التراكمي” للتأكد الفعلي من الطالب المتميز، ليتم الانتقال بعدها لإخضاعهم لاختبار ذكاء من الاختبارات العالمية، وعلى إثره مرحلة الاختبار التخصصي، لاسيما أن بكرا النا يمتلك دكاترة مختصين على غرار المتواجد في الاولمبياد، إضافة لدكاترة مختصين في الاختراع يقومون بإخضاع الأطفال لاختبارات تخصصية، ويتم تدريبهم والسير بهذا الموضوع.
والفن
سالي عياش، رئيس قسم الرقص، رأت أنه، وبعد مرور وقت على المشروع، تمكن القائمون من تحقيق أهدافه، خاصة عند رؤية الأطفال يتطورون يوماً بعد الآخر، ويحبون المشروع، ويبتعدون بمواهبهم عن الحرب الدائرة، مبيّنة في الجانب الآخر أن احتضان نجاح الطفل من قبل أهله الذين هم مرجعه الأول والأخير، إلى جانب تلاقي الأفكار والرؤى بين القائمين على المشروع وذوي الأطفال، يؤكد تحقيق الأهداف الأساسية لبكرا النا في المحبة، واحترام الآخرين، وزرع القيم في داخله، وحب الوطن ورموزه.
نجم صغير
الطفل طليع الشعبان من المتميزين بالمشروع حدثنا عن بدايته مع بكرا النا، حيث قال: “سمعنا في مدرستنا عن وجود مشروع اسمه “بكرا النا” ترعاه محافظة دمشق يهدف لتنمية مواهب الصغار، وتدريبهم، والأخذ بأيديهم لنجاح مواهبهم، إضافة إلى تمكين الأطفال ممن يعانون ظروفاً مالية صعبة من ممارسة الموهبة التي يريدونها دون أية تكاليف، كون المشروع مجانياً ويستهدف كل مدارس دمشق، وأنا كغيري من طلاب المدرسة سارعت للتسجيل وملء الاستمارة بعد تشجيع والدي، كون بكرا النا يستثمر وقتي الضائع بكل ما هو مفيد، وحاولت تنمية مواهبي بالعزف، والتمثيل، والإعلام، ورياضة كرة السلة.
رأي
من يرغب بالعمل، وتقديم شيء للآخرين مهما صغر، يستطع ذلك إن تواجدت الإرادة، والحجج التي يقدمها البعض، سواء بالقطاعات الإنتاجية، أو الصناعية، وتعليق تأخر الإنجازات على شماعة الأزمة، غير مقنعة للشارع الذي حال لسانه يقول: “انتهت الحرب فقدموا لنا ما لديكم”.
نجوى عيدة