مخلص الورار.. ما زال هاوياً يعمل بعشق وحب شديد
هناك تنافس شديد بين حبه للإعلام وحبه للفن التشكيلي الذي كان الأسبق له كممارسة وهواية، أما الإعلام فقد أتى مع مرحلة النضج والشباب، ولم ينكر الإعلامي مخلص الورار ضمن فعالية ذاكرة وطن التي اعتاد أن يقيمها مركز ثقافي كفر سوسة شهرياً لتكريم شخصيات إعلامية أن هناك صراعاً داخلياً دار بينه وبين ذاته في أي الخيارين يختار، إلا أن كفة الإعلام كانت هي الراجحة، فاشتغل فيه بحب شديد، ولكن دون أن يظلم الفن التشكيلي الذي ما زال يحبه ويمارسه، والدليل أنه أقام عدة معارض، كما يستعد حالياً لإقامة معرض جديد.
الإعلامي السوري المبدع
وبيّن مدير ثقافة دمشق أيمن ياسين أن هدف فعالية ذاكرة وطن بالدرجة الأولى تكريم بعض الشخصيات الإعلامية السورية التي كانت لها بصمة واضحة في حياتنا، وأن وزارة الثقافة من خلال مديرية ثقافة دمشق تحرص بشكل كبير على تكريم مبدعينا في جميع المجالات، ومنهم القامات الإعلامية كمخلص الورار الإعلامي الذي نشأت على صوته الرنان عدة أجيال، وأشار إلى أن التكريم الحقيقي له ولمبدعينا ليس بتقديم الدروع والشهادات بل بأن نتمثل مسيرتهم خلقاً وعملاً، في حين أكدت السيدة إلهام سلطان المشرفة على الفعالية أن حضارة الأمم تقاس بمقدار تكريمها لمبدعيها الذين كان لهم أثر في مجتمعاتهم، ونوهت إلى أن فعالية ذاكرة وطن ليست ندوة بمقدار ما هي مناسبة لتكريم المبدع السوري في حياته، وأن تكريم إعلامي كبير كمخلص الورار أمضى أكثر من أربعين عاماً في هذا المجال هو أمر واجب.
حضور متميز
ورأى الإعلامي عمر عيبور الذي كان أحد المشاركين في الفعالية إلى جانب الأستاذين جمال الجيش وسعد القاسم أن عشق الورار وحبه للعمل الإذاعي نموذج يتمنى أن يحتذي به الجيل الجديد من الإعلاميين، لأن الإذاعة هي خير معلّم للإعلامي في حياته، ونوه إلى أن الورار كان له نشاط في التلفزيون إلا أن عشقه وحبه الأول كان للإذاعة التي ظل مخلصاً لها وقد وضع الفن التشكيلي الذي درسه خلال مسيرته في المرتبة الثانية رغم أنه خريج كلية الفنون الجميلة وقد أثبت حضوراً متميزاً ومتوازناً حينما كان ينتقل بين برامج الصباح والبرامج الأخرى، وكذلك حينما كان ينتقل بين منصب وآخر، كان آخرها إدارته لمحطة نور الشام.
إذاعة متطورة
وتوقف الإعلامي جمال الجيش وهو رفيق درب الورار عند بعض الذكريات التي جمعته به منذ بداية عملهما سوياً في الإذاعة، وما كان يتمتع به على صعيد الالتزام واحترامه لعمله والصعوبات التي كان يعاني منها إلى جانب زملائه والتي لم تقف عثرة في استمرارهم في العمل، وأشار إلى أن ما جمعه مع الورار وبعض الزملاء الآخرين حبهم للعمل بحد ذاته، فلم يكن لديهم هاجس الشهرة والظهور أو المقابل المادي بل الرغبة في تقديم عمل يحمل رسالة نبيلة، وهذا برأيه كان يتطلب قدراً كبيراً من الثقة والإيمان والصدق والمثابرة، وأوضح أن الورار كان طموحاً وعلامة فارقة في مؤسساتنا الإعلامية، وهاجسه كان أن يعاد لمؤسساتنا الإعلامية وهجها ودورها، فهو ينتمي لجيل كان يحمل على عاتقه مهمة العمل بكل طاقة لتقديم إعلام نظيف وصادق وبمنتهى المسؤولية، وكان في مقدمة الإعلاميين الذين يحاولون صياغة إعلام جديد بعد أن كان يعاني إعلامنا من النمطية وذلك من خلال الإعلام التواصلي، ولا ينكر أن ذلك كان يحتاج لجرأة كبيرة كان الورار يتمتع بها.
وأكد الجيش أيضاً أنه رفيق عمره الورار شكّلا حالة تكاملية استطاعا من خلالها إنضاج رؤاهما، خاصة وأنهما أتيا للعمل الإعلامي في مرحلة مفصلية في إطار تحولات سياسية وثقافية وفنية مع بداية بروز الإعلام التفاعلي عالمياً، وبيّن أن التلفزيون لم يغريهما ولم يكن بالنسبة لهما هاجساً، في الوقت الذي كانت فيه الإذاعة المتعة الحقيقية لهما وقد كانت ميدانا رحبا للعمل يشبع نهمهما المعرفي والثقافي، في حين كانت إنتاجية التلفزيون البرامجية ضئيلة آنذاك ولم تكن هناك صناعة برامجية تلفزيونية بمعنى الكلمة، لذلك عندما بدءا العمل وجدا نفسيهما أمام إذاعة متطورة وتلفزيون فقير.
فنان تشكيلي ناجح
وبالرغم من أنهما درسا سوية في كلية الفنون الجميلة إلا أن المفارقة في علاقة الفنان والإعلامي سعد القاسم مع الورار أنهما التقيا بمهنة الإعلام أكثر من الدراسة، ولم ينكر القاسم أنه حينما تقدم الورار إلى مسابقة المذيعين عام 1977 استغرب كل من في الكلية لأن الفن التشكيلي والإعلام عملان صعبان، وقد تشكلت قناعة لدى الكثيرين أنه لا بد وأن يترك إحداهما يوماً ما، وهذا ما خالف به الجميع حينما وفّق بين عمله في الإعلام الذي تحوّل لمهنة وبين الفن التشكيلي الذي كان يختلس له الوقت ليعبّر عما يريده من خلال اللوحة، فكان إعلامياً ناجحاً ومذيعاً متميزاً وفناناَ تشكيلياً ومديراً ناجحاً في أكثر من موضع إعلامي، ونوه القاسم إلى أن الراحل غسان سباعي الأستاذ في كلية الفنون الجميلة كان قد شجعه للالتحاق بقسم النحت الذي يحتاج للدقة والأناة في العمل لتمتع الورار بتلك الصفات، فقد تميزت لوحته دائماً بالإتقان والأناقة والتنوع في الأساليب والقدرة على التعامل مع مشارب مختلفة.
من دفعة إعلاميين كبار
وختم مخلص الورار الفعالية بشكر جميع المشاركين فيها وهم أصدقاؤه وزملاؤه ورفاق الدرب الطويل والصعب، حيث زامل جمال الجيش وعمر عيبور وبسام غبرة وكان لكل واحد منهم –برأيه- شخصيته وحضوره الخاص، ولذلك هو يفتخر بأنه كان من دفعة إعلاميين كبار شارك معهم في بناء لبنة من لبنات الإعلام السوري الوطني وقد عملوا على مدى سنوات في تكريس مفهوم أن العمل لا يمكن أن يكون مجدياً إن لم ينبع من قلب صادق ومحب وإحساس عال بالمسؤولية، وهذا ما كان يتمتع به مع زملاء له، وهم الذين كانوا يعملون دون حساب لوقت أو لتعب أو الالتفات لأي عائد مادي، منتظرين فقط كلمة شكراً التي كانت أكثر كلمة لها وقع في قلوبهم، كما شكر الورار الأستاذ حمد المفتي الذي كان له دور كبير في عودته للفن التشكيلي بعد أن أيقظ هذا الحب من سباته في معرض أقامه عام 2017 وقد كان المفتي وراء كل خطوة متابعاً ومشجعاً وناقداً، وأوضح أنه في أي عمل إعلامي تصدى له لم يعترِه في يوم من الأيام أي نوع من أنواع الفتور أو التراجع أو الإهمال بل كان يزداد يوماً بعد يوم حماسة ورغبة في العمل وكذلك في الفن التشكيلي، ففي كل لوحة فنية يشعر أنه أمام مشروع متكامل يبدأ من الصفر ولا ينتهي، مبتعداً عن التكرار وكل ما هو روتيني أو وظيفي، شاعراً في كل لحظة من اللحظات بالإبداع والتجديد، ولذلك وبعد هذا العمر الطويل في مجال العمل الاحترافي ما يزال الإعلامي مخلص الورار يشعر بأنه هاوٍ يعمل بعشق وحب شديد ولا يشعر بملل ولا بفتور، ووجه كلامه للشباب قائلاً: “لا تستعجلوا الشهرة فالثمرة تحتاج لفترة لتنضج.. لتتحلوا بالصبر والدقة في العمل والمواعيد كي تحققوا النجاح المطلوب”. وأكد أن هذا التكريم لن ينساه وله أكبر تأثير على نفسه ووجدانه، وتمنى أن تستمر سياسة التكريم في بلدنا لأنها تعبر عن حضارة المجتمع وتفهمه وتقديره للذين يعملون لكي ترتقي مجتمعاتهم في جميع المجالات.
أمينة عباس