ثقافةصحيفة البعث

“دلل أمك قبل أن ترحل” بكاميرا الهاتف الجوال

الفيلم القصير الصامت”دلل أمك قبل أن ترحل” الذي صوّره الفنان الموسيقي والممثل أحمد حلاق ليكون البطل والمخرج في آن واحد، وليفتح الباب لكثير من الأفلام التي تنتمي إلى السينما الذاتية، وتعبّر عن حالة إنسانية شقت طريقها إلى المهرجانات العالمية، حمل الفيلم خلال خمس عشرة دقيقة رسالة الإنسانية والأديان بتكريم الأم والاهتمام بها قبل فوات الأوان، ليكتب المخرج على خلفية الفيلم”رسالة إلى كل ابن مضافة إليها ثلاث نقاط” إشارة إلى كل ابن عاق أو تائه في بحر الزمن ناسياً عائلته وبالتحديد أمه، وكان موضع نقاش في ندوة بعد عرضه في المركز الثقافي العربي –أبورمانة- بمشاركة الفنان إسكندر عزيز والفنان فاضل الوفائي والمخرج.

الرموز والمقابلات
بدأ المخرج حلاق على غرار الكثير من الأفلام بتقنية الفلاش باك بمشهد رجل يبدو بحالة رثة أشبه بالمتسول يجلس في شارع فرعي خلف سيارة، ويأكل بقايا الطعام، ليعود بذاكرته إلى السرد السينمائي الحكائي منذ أن كان طفلاً تطعمه الأم إلى أن أصبح رجلاً يتململ منها، وقد ركز المخرج التصوير على نفسه- البطل- من خلال المصوّر ابنه فؤاد حلاق، فرصد حركاته وملامح وجهه وانتقالاته حتى بمشاهد الفلاش باك التي صُورت بالأبيض والأسود، مما أوحى للمشاهد بأنه إزاء مشهد طويل، وبنى رسالته على الإيحاء بالرموز والمقابلات من خلال الفلاش باك، فالرطوبة بالجدران كانت رمز الفقر، والأدوية التي يزداد عددها مع اتساع ثروة الابن دلالة على إهمال الابن لأمه، وكذلك الهاتف الجوال الذي يرن وتظهر على شاشته”أمي” دون مجيب، لنصل إلى المشهد المؤثر الذي أبكى الحاضرين حينما اقتربت الأم من كأس الماء لترتشف منه الرشفة الأخيرة فوقعت الكأس من يدها وانسكب الماء وتهادى جسدها، في القسم الثاني من الفيلم تبدو المقابلة واضحة حينما يخسر الابن أمواله التي جمعها بفضل دعاء أمه له رغم بعده عنها، فيعود فقيراً غارقاً بالندم يهرع حافي القدمين يقبل تراب قبرها ولكن بعد فوات الأوان.
اعتمد المخرج على الموسيقا التصويرية لتكون المؤثر الفني الأساسي بالفيلم والتي تأخذ موضع الحوار والمنولوج فتناغمت في بداية الفيلم حوارية نغمات الحزن لأوتار التشيللو مع وقفات البيانو لتبوح باشتياق الأم لابنها وحزنها على بعده عنها، بينما يتغير اللحن الموسيقي في المشاهد الأخيرة من الفيلم بالاعتماد على لحن الناي على مقام الصّبا وتفرعاته ليبدو بذروته في مشهد المقبرة يلطم وجهه بالحذاء.

الصراع بأبعاده
خلال الندوة أثنى الفنان إسكندر عزيز على اللقاءات الثقافية ودورها النفسي في تفسير المشاعر والأحاسيس وتحليل الأحداث والربط فيما بينها، ورأى أن الفيلم محمّل بحكاية وفق البعد النفسي لمقولات فكرية، ويقوم على الصراع بأبعاده الثلاثة صراع الإنسان مع الإنسان، وصراع الإنسان مع نفسه، وصراع الإنسان مع قوى خارجية، وبلغ ذروة الصراع في التغييرات الموسيقية وفي المونودراما بحالة اللطم في المشهد الأخير، مشيراً إلى أن الفيلم رسالة موجهة إلى شريحة الشباب لشدّ الرباط الأسروي لاسيما الأم، مشيداً أيضاً بتحقيق الفيلم المعادلة التي توازن بين المضمون والصورة، وتوقف عزيز عند عنوان الفيلم”دلل أمك قبل أن ترحل” مقترحاً أن يكون العنوان”الآه قبل فوات الأوان” وبرأيه أنه أكثر تأثيراً بالمتلقي، متمنياً أن يكون هذا الفيلم نواة لسلسلة أفلام قادمة.
الفنان فاضل وفائي أوضح بأن هناك مهرجانات عالمية وجوائز خاصة بهذا النوع من الأفلام التي تصنع من خلال جهاز الهاتف الجوال، وتعبّر عن أفكار صانعيها، متابعاً بأننا في سورية مازلنا في بداية الطريق لهذه الأفلام، وتطرق إلى أهميتها لاسيما من قبل جيل الشباب الذي نشأ في ظل التكنولوجيا، وتحدث عن مشروع مجموعة شبابية في حلب صنعت ما يقارب خمسين فيلماً من هذا النوع سيتم عرضها على الفيس بوك مما يدل على تعزيز هذه الصناعة السينمائية، وعن الفيلم وجد أن إدخال شخصية الأم وإظهارها من خلال إحدى الممثلات كان أقوى داعياً إلى متابعة مشروع حلاق ودعمه.
الفنانة رانيا تفوح أشادت بجمالية الموسيقا إلا أنها ضد استجرار العواطف والبكائيات التي ركز عليها المخرج بالمشهد الأخير، كون الدلالات تكفي وتكون ذات وقع أكبر، بينما أوضح الفنان باسل فتال بأن التصوير اتخذ زاوية واحدة هي الممثل ووجد ثغرة بالفيلم يمكن تداركها بالتصوير من خلال جهازين، وأن البداية كانت مطولة ومن الممكن تجزيء المشهد.
واختُتمت الندوة بإجابة المخرج حلاق عن تساؤلات الحاضرين، متحدثاً عن الأوضاع الصعبة التي واجهته أثناء التصوير، وعدم توافر الإمكانات الإنتاجية ليصل إلى المشاهد التي حذفت منه ليعتمد الفيلم بشكله النهائي، وإلى أنه يخطط لمتابعة مشروعه “سينما الهاتف الجوال” لكن بتركيز أكبر وبإدخال شخصيات إلى الفيلم وعدم الالتزام بنمط المونودراما.
ملده شويكاني