عن النقد الأدبي-الفني وأحواله
لا يريد الناقد الأدبي-الفني، -المشتغل بالصحافة اليومية بشكل خاص-، أن يكون عموما هو الصوت المنفرد غالبا الذي يغرد خارج السرب، بمعنى أن يرى السقطات الفنية أو الأدبية التي يتغاضى عنها -بقصد وربما بدونه-البعض من المتحمسين العاطفيين، الذين غالبا ما تجيء مقالاتهم “النقدية” في الصحافة المحلية والمحيطة، عبارة عن انطباعات شخصية لا قاعدة نقدية تقوم عليها، أو أصحاب المآرب الأخرى، وهم يدبجون مدائح نقدية ما أنزل الله بها من سلطان، لا على سبيل الفكرة ولا على سبيل القاعدة أو المنهج، خصوصا فيما يخص أي عرض مسرحي، باعتباره “فنا فلكلوريا”، حتى صار وجود هكذا ناقد، أمرا نادرا في حضور هذا العرض أو ذاك، وحتى ذاك الفيلم أو غيره، ما ينسحب على الدراما التلفزيونية التي يجمعها بالسينما شيئا من طبيعة الخطاب البصري، هذا الناقد الموجود على المريخ ربما، لا يريد ذلك ليس لكبر “معلاقه”،وليس تحاشياً لجملة: “هدا اللي ما عاجبوشي”! فالقصة غير ما هو ظاهر هكذا وليست بهذه البساطة، وفي الحقيقة تقديم قراءة نقدية في عمل جيد هي أسهل بكثير نقديا، من تقديمها في عمل سيء بكافة المستويات الفنية، فثمة أشخاص اشتغلوا وبذلوا جهدا وتعبوا وقدموا، مهما كانت نتائج ما فعلوه من أعمال أدبية أو فنية منخفضة على المستوى الفني الإبداعي، وهذا لوحده يستحق الاحترام ولكن ليس لوقت طويل، خصوصا وإن كان الحال، هو قول ما هو غير صحيح، وإيهام الجمهور بما ليس موجودا في المنتج الفني أو الأدبي أساسا، والالتفاف على الموضوع، بجمل نقدية لم يسمع بها إلا كل ذي عمر طويل، مثل:”تقشير الصورة بانزياحات قسرية للفكرة”، أو من قبيل: “تلك الكاميرا التي تطير بهوس قبل أن تنتبه عدستها أنها صنعت فيلما بديعا”، ويمكننا إيراد مثال عن الشعر بمقال نقدي يحكي عن مضمون فكري لقصيدة مكتوبة لجيل سيقرؤها بعد قرون،وهذا موجود، سواء عن قصد وسابق إصراره، أو عن حب مترافق ببعض من الجهل، ما يحيلنا للسؤال، حتى عند العديد من الذين لا يعلمون ألف باء النقد الفني الأدبي: هل ما يُقدم يرقى لرفع القبعة؟ وللوقوف من قلب ورب للتصفيق الحار؟ ثم الجلوس لأكثر من عشر ساعات، لكتابة مقال عن تلك المشاهدة أو تلك القراءة، تمنحها حقها وترضي ضمير كاتبها معا؟، هل فعلا ذاك الكلام الذي جئنا على ذكره كمثال عن النقد الأدبي والفني السائد الآن، يصح لأن يكون مادة نقدية يقرأها الناس ويتعاملون معها على أنها حقائق لا حكايات أخرى لها ما لها من خلفيات مبهمة؟.
العلة، كل العلة في العديد من الذين يتصدون لهذه المهمة، عبر “واسطة ما في جهة إعلامية ما، وهم لا يفرقون يعتبرون المسلسل دراما أما السينما فسينما والمسرح مسرح، والفنون الثلاثة تندرج تحت كلمة “دراما” حتى أن العديد منهم لا يفرق بين الدراما المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، يسمي المسلسلات دراما، ظانا أن السينما والمسرح ليسا كذلك، المشكلة أن هؤلاء يحرمون الرأي العام، من قراءات نقدية محترفة، بتقديمهم للمشاعر التي انتابتهم هم، ودون أدنى مهنية مدرسيّة، بينما يأخذون صور السيلفي قبل وبعد العرض، في حال حضورهم لعرض مسرحي أثرهم بعدم فهمهم لمضمونه، فهكذا يكون العمل المسرحي مثلا عندهم، غائما وربما تمطر بعد قليل كما يعتقد البعض، وكلما كان العرض عبثياَ،غامضاً، ثقيل الدم، ازدادت خفة دمهم في المديح الذي ذكرنا بعضا من أسلوب تدبيجه، وكما تعرفون، لاشيء تطرب له الأذان إلا المديح، خصوصا وأن بعض أهل الفن لا يقبلون رأيا نقديا علميا، لتطوير عملهم، إنهم يريدون فقط أن يبقى صوت التصفيق عاليا حتى بين سطور الجرائد، ويمكننا فهم هذه النرجسية التي غالبا ما تتبع أولئك المشتغلين بالفن، لكن هذا لا يعني ضرب المنتج الفني والإبداعي، لصالح نرجسيتهم!.
الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها، لديها مهمة ليست باليسيرة أبدا، وذلك بصياغة وصناعة رأي عام، يعني القارئ أولا وأخيرا، لا أصحاب ذلك العمل أو غيره، إلا أنه وفي الأمور التي تخص النقد الفني والأدبي، فيبدو أنه ليس من المهم ما هو فعلي فيها، بل معسول الكلام لأنه لا يناقش، فماذا يمكن أن يسأل مذيع أحدهم عن رأيه بالتطورات الدرامية مثلا، إن كانت أجوبته على شاكلة: “العمل الذي أكل من قلبي شقفة” أو الكتاب الذي التهمتني صفحاته؟ وإن غلط وسأله لماذا، فالرد جاهز: “هذا ما وصلني من العمل”، وهذا يدخل ضمن إطار “الاختلاجات الشعورية الشخصية” لا الحس الجمعي أولا ولا المهني والموضوعي ثانيا.
بالتأكيد الكتابة حق مشروع للجميع، لكن لا يجوز في وسائلنا الإعلامية، أن نتجاوز كل تلك الخطوط الحمراء جدا، في تقديم قراءات خاطئة ومضللة للقارئ تحت شعار “حرية الرأي” خصوصا فيما يتعلق بالنقد الفني الأدبي لخطورته، وذلك لمجرد ملء صفحة في جريدة أو ساعة تلفزيونية صباحية؛ وللأسف هذا ما يحصل، هل تريدون أمثلة على ذلك؟.
تمّام علي بركات