تعددية دون هيمنة.. أمر ممكن!
ترجمة: عناية ناصر
عن غلوبال تايمز 24/6/2018
أثار مقال في صحيفة فاينانشيال تايمز حمل عنوان “تعدّد الأقطاب دون قيادة أمريكية”، الاهتمام حول التغييرات في النظام الدولي الحالي. على الرغم من أن المقال يميل إلى تبسيط الواقع، عندما يتعامل مع العالم بأسره، إلا أنه يمكن أن يطرح أسئلة تثير نقاشات جديدة.
ما جاء في المقال صحيح بخصوص ظهور نظام متعدد الأقطاب دون هيمنة أمريكية، كان يسير بشكل جيد قبل تولي دونالد ترامب السلطة. وكانت نقطة التحول خلال الأزمة المالية العالمية 2007- 2008، والتي مثلت، مع ذلك، ذروة عملية جديرة بالتوقف عندها. ومنذ انهيار نظام بريتون وودز عام 1971، كانت النقاشات الدولية داخل الأمم المتحدة تشير إلى عدم كفاية نظام الولايات المتحدة، ونشير هنا إلى النقاش حول ما يُسمّى النظام الاقتصادي الجديد (NEO) خلال السبعينيات.
يمكن إرجاع عدم كفاية الحوكمة العالمية وعدم قابليتها للاستدامة إلى التمثيل المؤسسي الناقص للنظام الناشئ آنذاك والمدفوع بثلاث كتل “الغرب، والاتحاد السوفييتي، ودول عدم الانحياز”، إذ كان القرار الدولي مركزاً بيد عدد قليل من الدول هي مجموعة السبع (G7) والتي تتخذ القرارات لكل الدول، فيما كانت دولة واحدة “الولايات المتحدة” تصدر العملة للعالم بأسره. إضافة إلى ذلك، وبعد بعض المحاولات المثيرة في الإصلاح “مثل حقوق السحب الخاصة وتمويل التنمية” للإجابة عن الانتقادات المشروعة من دول العالم الثالث، روّجت مجموعة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا لما يُعرف بـ”الثورة المضادة النقدية” المستوحاة من السياسات النيوليبرالية.
في واقع الأمر، فإن ما يُسمّى بالاتجاه النيوليبرالي، الذي وضعته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، خلق عقوداً من الأزمات المالية الحادة، أولاً في البلدان الطرفية، ثم في الدول الناشئة والدول التي تمرّ بمرحلة انتقالية. سجلت العقود من 1980 وحتى الآن أكثر من 120 أزمة مالية تشمل كل القارات. ومن هذا المنطلق، برزت الحاجة إلى تشكيل مجموعة العشرين وتحويل منتدى الاستقرار المالي إلى مجلس أوسع للاستقرار المالي (FSB 2009 ).
علاوة على ذلك، فإن مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي ليسا سوى جزء من لغز من التغيير المستمر والمتدرج في الإدارة الاقتصادية العالمية، فقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية، إطلاق بنوك جديدة متعددة الأطراف “بنك التنمية الجديد، وقبل كل شيء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية”، وإطلاق مبادرة الحزام والطريق ونطاق انتشارها العالمي، والتعاون الجديد بين منظمة شنغهاي للتعاون والبريكس، والعديد من الحركات الأخرى التي تقودها الصين وروسيا. وبدلاً من أن نطلق عليها قوى مضادة للهيمنة، يجب أن نرى في خطواتها وردودها على الأزمات العالمية عملية موازنة، على الأقل منذ عقدين. إلى حدّ ما، فإن مجموعة العشرين والمشروعات التي تقودها القوى غير الغربية تمثل استجابة ضرورية لفشل النظام العالمي النيوليبرالي، الذي تدعمه تقليدياً النزعة العسكرية الأمريكية والهيمنة النقدية.
بعد الإقرار بالدور المتراجع للهيمنة الأمريكية ومجموعة السبع (G7) تطرح مقالة FT سؤالاً ما هي القوة المهيمنة؟ لكن هذا سؤال خاطئ تأتى من التجربة الغربية للهيمنة على النظام العالمي، والتي تعتمد عادة على استبدال مركز قوة بآخر. الأسئلة الأكثر ملاءمة يمكن أن تكون: هل نحن حقاً بحاجة إلى قوة مهيمنة جديدة؟ وهل يمكننا إعادة تنظيم العلاقات الدولية بشكل مختلف؟
يمكن القول إننا لسنا بحاجة إلى قوة مهيمنة جديدة كما هو متصور حتى الآن. نحن بحاجة إلى قوى قادرة على إصلاح النظام الدولي بما يتماشى مع الأساليب التعاونية والديمقراطية، وإصلاح النظام القائم بمشروعات التعايش السلمي. هذه هي القيمة المضافة للصين الناشئة: عالم متعدّد الأقطاب، حيث لا تستثنى منطقة صغيرة واحدة من الفوائد المحتملة الجديدة للتعددية، على أساس مفهوم تقليدي حقيقي للاقتصاد. إضافة إلى ذلك، فإن نهج الصين في الشؤون العالمية، وبراعتها الدولية الجديدة، تتمحور حول سلسلة من المبادئ المستمدة من مفهوم الاحترام المتبادل- جوهر السياسة الخارجية الصينية. الاحترام المتبادل هو أساس مبادئ عدم التدخل، رفض استخدام القوة، التعاون المربح للجانبين والمساواة بين الدول. التواصل والحوار بين الأقران، وليس المواجهة العسكرية، الشراكة وليس التحالفات، التبادل والتعلم المتبادل، وليس الجهل. هذه وغيرها من المراجع المنهجية والقيّمة ضرورية للتغلب على عقلية الحرب الباردة.
يجب أن تؤدي ردة فعل اليابان وكندا والمكسيك وأوروبا على إجراءات ترامب الحمائية إلى المزيد من التعاون بين الدول. وسيؤدي هذا النهج في نهاية المطاف إلى تهميش قومية الاقتصاد عندما ينتهي عصر ترامب.
ومع ذلك، وبحكم التعريف، فإن قومية الاقتصاد ليست ضد التعاون الدولي. إن تحقيق التوازن في كل من المنظورات والتكامل والتعاون مع احترام التنوع الوطني والأولويات تتطلّب إدارة مؤسسية أكثر تمثيلاً وفعالية، تستند إلى مبادئ أساسية جديدة لإدارة العلاقات الدولية. وعلى ذلك، يمكن للغرب أن يتعلم الكثير من التجربة الصينية ويتعاون مع الصين لبناء “مجتمع دولي بمستقبل مشترك للبشرية”.