مكبات النفايات في السويداء.. خطر بيئي وصحي والإجراءات مازالت عشوائية!
عشرات الكتب والمراسلات والشكاوى التي يتقدم بها السكان في عدد من قرى المحافظة جراء انتشار المكبات العشوائية التي تسبب واقعاً صحياً وبيئياً سيئاً: ملوثات غازية، وأبخرة، وانتشار للحشرات الناقلة للأمراض، كلها مشاكل باتت مزمنة في المنطقة المحيطة بالمكبات جراء حرق النفايات بشكل مستمر، وتراكمها الكبير.
جلسات رذاذ
وفي جولة على عدد من المناطق في كناكر، وقنوات، ومفعلة، رصدت آراء عدد من الأهالي، حيث يشير المواطن حسين قيس من أهالي قرية مفعلة إلى أن عمليات الحرق العشوائي، والدخان الكثيف المنبعث من المكبات، أدت إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض الصدرية، والربو، والأمراض التحسسية، والجلدية، خاصة بين أطفال المدارس، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالأراضي الزراعية المتاخمة، والتسبب بإحراق عدد من حقول القمح المجاورة خلال العامين الماضيين، بدورها المواطنة صفاء حمزة المصابة بالربو هي وأطفالها عبّرت عن معاناتها من وجود مكب النفايات في كناكر، وما يتسبب من أضرار صحية للأهالي، مشيرة إلى أنها تضطر وأطفالها للذهاب بشكل متكرر للمشفى الوطني بالسويداء لتلقي جلسات رذاذ نتيجة إصابتهم بأمراض تنفسية، داعية إلى الإسراع بمعالجة وضع النفايات المكشوفة لما تنشره من أمراض، خاصة مع قدوم فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، وانتشار الحشرات.
حرق مكشوف
عشرات مكبات النفايات منتشرة في كافة أنحاء المحافظة، والجامع بينها هو الرمي العشوائي، والحرق المكشوف اللذان يعطيان صورة حقيقية عن عدم جدية وحداتنا الإدارية في التعامل مع هذا الخطر الصحي والبيئي بامتياز، وقد لا يجد المرء صعوبة في معرفة أماكن انتشار تلك المكبات، فسحب الدخان المتصاعدة منها تشكّل لوحات دلالة تشير إليها على بعد عدد من الكيلومترات، ويحتل المرتبة الأولى بين تلك المكبات لجهة سوء التنظيم، والإدارة، والخطر البيئي، مكب السويداء الذي اتخذ من غرب المدينة موضعاً له، متوسطاً الطريق بين بلدتي كناكر وعرى، وناشراً أخطاره بالتساوي بين هذا الثالوث، أما الوصول إليه فقد أرشدتنا إلى ذلك أكوام القمامة المنتشرة على جانبي الطريق، لتعطينا حقيقة المشهد الذي كان بانتظارنا، حيث يشكّل النبّاشون الأبطال الحقيقيين لمشهد يتكرر يومياً في ذلك المكان، والذين وجدناهم الأكثر استفادة من ترهل الجهات المعنية في معالجة هذا الواقع، مستثمرين كل ما تحتويه تلك المكبات من مخلفات عبر عمليتي الحرق والنبش، متجاهلين ما يلحق بهم من ضرر صحي ناجم عن تلك العمليات المتكررة مع قدوم أية سيارة محمّلة بالنفايات، هذا الواقع يجعلنا نضيف صوتنا إلى آلاف الأصوات التي علت مطالبة بوضع حلول لتلك المشاكل، باعتبار أن الحلول السابقة لم تجد نفعاً، والشواهد على ذلك كثيرة، أهمها ذلك المبنى المتوضع في المكان، والذي مازالت أبوابه مقفلة أمام الحلول، حيث تطمر ملايين الليرات التي أنفقت على التأهيل بين أكوام القمامة التي طغت على كل الحلول!.
تدوير النفايات
معاون مدير البيئة في السويداء المهندس رفعت خضر يرى أن السبب الرئيسي للمشاكل البيئية في المحافظة المكبات العشوائية للنفايات، وعدم استخدام أسلوب الطمر الصحي، واللجوء إلى طريقة الحرق المكشوف للتخلص من الكميات المتراكمة، داعياً إلى تبني مبدأ تدوير النفايات، والاستفادة منها، ورفع مستوى الوعي البيئي في المجتمع بما يتعلق بإدارة النفايات.
وبيّن خضر أنه يوجد نحو 48 مكباً في السويداء، كما تم إحداث خليتي طمر العام الماضي، وتم تأهيلها بشكل كامل من أنابيب لصرف الرشافة، وأنابيب لتفريغ الغاز الناتج عن تخمر النفايات، إلا أنه لا توجد إدارة لهذه المكبات!.
وأشار خضر إلى أن دائرة النفايات الصلبة التابعة لمديرية الخدمات الفنية، ومديرية البيئة، بالتعاون مع مديرية الزراعة والموارد المائية، قامت بتصحيح اختيار مواقع، وإغلاق مكبات مختارة بشكل عشوائي سابقاً لظروف معينة، وذلك بسبب أضرارها على البيئة المحيطة والموارد الطبيعية، إن كانت أراضي زراعية، أو مصادر مياه جوفية وسطحية،
وأيضاً يتم العمل حالياً على متابعة أية شكوى من المواطنين لهذه الغاية،
الوضع الراهن سيئ بالنسبة لحرق النفايات بالمكبات بكل ما فيها، وانطلاق الغازات (دايوكسيات)، وهو مادة مسرطنة عند استنشاقها، علماً أن هناك تعميماً سابقاً من المحافظة بمنع حرق النفايات، ولكن الكثير من الوحدات الإدارية تلجأ إلى هذه العملية لتخفيف حجم النفايات، وعدم وجود آليات لازمة لعمليات الحفر والطمر، وأساس المشكلة ينبع من عدم وجود عملية فرز للنفايات بأنواعها: (بلاستيكية- ورقية- معادن- زجاج)، وتأسيس معامل إعادة تدويرها وصناعتها من جديد، حيث تقلل عملية الفرز من حجم النفايات إلى الثلث، لكن ذلك يحتاج إلى جهود متكاملة تبدأ من المواطن، ورفع مستوى الوعي البيئي بهذا الخصوص، مروراً بالعاملين في الوحدات الإدارية، وانتهاء بالجهات المعالجة والمراقبة لهذا الموضوع.
مشروع متعثر
المهندس حسام حامد من دائرة إدارة النفايات الصلبة قال إنه تم تقديم دراسات تفصيلية لواقع النفايات في المحافظة، وأقرت الدراسات بتنفيذ مراكز للمعالجة المتكاملة للنفايات، هذه المراكز تتضمن خلايا طمر صحي، ومحطات تدوير، ومعامل سماد عضوي، ووحدات لمعالجة النفايات الطبية، ومدافن للنفايات الخطرة، بالإضافة لتقسيم المحافظة لمحطات نقل لعدة دوائر، تحدث في كل من هذه الدوائر محطات تجميع لهذه النفايات، بحيث تقوم الوحدات الإدارية بجمع النفايات من الأحياء، وإيصالها إلى محطة النقل، وتقوم مديريات النفايات المحدثة، وهي الجهة المعنية بالمعالجة، بنقل هذه النفايات إلى مراكز المعالجة، بالإضافة لقيام الوحدات الإدارية الواقعة في محيط مركز المعالجة بالنقل مباشرة إلى مركز المعالجة، وخلايا الطمر الصحي عبارة عن منشأة معزولة بالكامل، ولا تسبب التلوث، وتتم تغطية النفايات الواردة إليها بشكل يومي من خلال منظومة عمل دقيقة بالنسبة لمحافظة السويداء.
في عام ٢٠١٠ تم تنفيذ محطات النقل الأربع، وهي جاهزة للاستثمار مع بعض القضايا، وتم التعاقد على تنفيذ خلايا طمر صحي بموقع عريقة، وكانت نسبة الإنجاز فيها ٨٩%، والمتبقي من الأعمال الواجب إنجازها يحتاج تكلفة ما يقارب ١١ ملياراً، بما فيها الآليات،
وبيّن حامد بأن المشروع تضمن ضمن دراساته إغلاق كافة المكبات العشوائية بعد تأهيلها، إما بالترحيل لمراكز المعالجة، أو التأهيل ضمن الموقع إذا سمحت ظروف المكب بذلك على محيط المحافظة، مبيّناً أنه تم خلال الفترة الماضية إغلاق عدد كبير من المكبات من خلال دمج المكبات المتقاربة بمكب واحد، ليتبقى (٤٨) مكباً عشوائياً.
آمال مشروعة
نعلم أن الظرف الراهن لا يسمح بالحديث كثيراً عن نسب تنفيذ وإنجاز، وأن إدارة النفايات لا تملك عصا سحرية يمكن استخدامها، وتبقى آمالنا معلّقة بانتظار استكمال برنامج إدارة النفايات الصلبة، وإنجاز المركز المتكامل لفرز ومعالجة النفايات المخطط له في منطقة عريقة، وبانتظار تبني مبدأ تدوير النفايات، والاستفادة منها، أما حلمنا الأكبر الذي ينتظره أهالي محافظة السويداء جميعاً فهو رؤية هواء السويداء نقياً خالياً من أية سحابة دخان تعكّر صفوه، أو كومة قمامة تلوث طرقاته، فهل يفعلها مسؤولونا بتحويل هذا الحلم إلى حقيقة، أم أننا سنبقى ننتظر، وسيبقى النبّاشون والدخان المتصاعد هم سادة الموقف؟!.
أليس مرشد