انتهت ثورة الرخص والانحطاط
لم ينته الإرهاب ولكن “الثورة” انتهت! و”المهد” الذي كان تلوث بالخونة الذين استكبروا بالعار، والأغراب والمستجلبين من خدم وسائقي وحراس بوابات الفيلات السعودية والقطرية، والمتكسبين على عتبات وهابية الدنانير والريالات، يتطهر اليوم عائداً إلى حضن الوطن. انتهت “الفتنة” التي أغدقت عليها المشيخات والممالك الخليجية، والحكومات ووزارات الحرب ووكالات الاستخبارات الغربية، والمتبرعون الخاصون اللاعبون على حبال الملاذات الآمنة ومتطلبات الأمن والاستقرار، من الأموال ما كان جديراً بإسقاط أقوى الدول وتفكيك أشدّ المجتمعات أصالة، وأعمق الثقافات تجذراً. اندحرت “الثورة” التي كلّفت المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية ما يعادل تنفيذ انقلاب مريع على الذات، والوقوف في خانة الدفاع عن أعداء القانون الدولي، والتنكر للقيم المشتركة وللمساواة في الإنسانية والتآخي بين البشر. انتهت أرخص الثورات وأشدها انحطاطاً، وتفرق أحقر ” ثوّار” انتحلوا عبر التاريخ الأسود للعنف تحت البشري مثل هذه المسميات.. “الثورة” التي شكّلت ظاهرة فريدة قائمة بذاتها ولذاتها، حيث تحوّلت عمليات القتل والمجازر الجماعية إلى مشاهد دعائية مباحة ومطلوبة لاستحضار “الآخر” عنوة أمام القضاء الدولي لإنفاذ عدالة أوباما وهولاند وميركل وكاميرون، وحيث ارتكبت أبشع الجرائم لمجرد تلفيق الاتهامات، وحيث الضحية الحقيقية مدانة مسبقاً وسلفاً والمجرم الحقيقي خارج أي مساءلة أو حساب!
“الثورة” التي باركها المحافظون، ودعمها السلفيون، وساندها الظلاميون، واستخدمها الرافضون للتغيير، وقامت على أكتاف الجهلة والأميين والرعاع، تمثلت أقصى أمانيها وطموحاتها و”كفاحاتها” في العودة آلاف السنين إلى الوراء، ليس إلى عصور الجاهلية بل إلى الحقب المظلمة حيث كان الآدميون وحوشاً ضارية وأكلة أكباد بشر.. “الثورة” الغارقة بالادعاءات المزيفة عن كرامة معلنة هنا ومباعة هناك، حيث النزوح المبرمج والتشرد المدروس مسبقاً، وحيث المال الخليجي هو رب الأرباب الجديد الذي يتوجب تحصيله عبر كل أساليب النخاسة المتاحة، ابتداءً من تزويج القاصرات لأي عابر سبيل من الخليج وليس انتهاء بالتجنّد لدى الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وبيع الأوطان.
لم تكن ثورة على النظام المقاوم بقدر ماكانت ثورة قبل كل شيء على عظمة الإسلام، وتحريفاً له، وانقضاضاً على رجاله الحقيقيين، واعتداء على مؤمنيه، واغتيالاً لعلمائه وأئمته الكبار. كانت مجرد ظاهرة تنوس دائماً بين الارتزاق والتبعية، وبين العدمية الروحية والفراغ الأخلاقي، وبين الشبقية الجنسية المكبوتة والرغبة في الانفلات من الأعراف الدينية والمجتمعية والتحلل من أي عقال.. كانت تعبيراً عن إرادة مرضية في التدمير الذاتي أكثر مما كانت انعكاساً لإرادة التغيير الحقيقي وامتلاك وعي ومقومات إعادة البناء، هي لم تقدم إلا مخيمات اللجوء ولم تبشر إلا بـ “جهاد النكاح” ولم تروج إلا للأسلحة المؤجرة، والخضوع المهين والمذل للأجنبي – أي أجنبي، خليجياً كان أم تركياً، أم أمريكياً أم إسرائيلياً أم فرنسياً أو بريطانياً، ولم تشهر إلا شعارات التمرد المدفوع الثمن ضد الشرعية واستباحة دم الشريك في الوطنية.
“صمود” مزيف ورجولة مصطنعة حيث لا شيء من الحقيقة على الإطلاق، وحيث الكذب صراح، والتلفيق معلن، والتواطؤ مكشوف، والنوم في أحضان الوحش الداعشي مدعاة للطمأنينة والارتياح، وحيث المشاهد الاستيهامية والاستعارات الرمزية المخاتلة تجلبب كل الأشياء؛ هو عالم من المروق الوطني والأخلاقي والديني الذي يسحب دعاواه التكفيرية على الشعوب والأنظمة بلا استثناء: يدعو إلى الحرب ويحلل سفك الدماء ويفتي بالتخريب، يتسلح بالوضاعة الأخلاقية ويروّج لفردوس ملذات خاص على قاعدة من الإباحة المطلقة لمختلف المحرمات.. هو على درجة عالية من المناورة والبراغماتية في التعامل مع الغربيين “أعداء الإسلام”، وعلى غاية من التطّلب والتطهّر حين يتعلق الأمر بإخضاع رعايا “دولة خلافة” الله..
انتهت “ثورتهم”!.. هم اليوم يتشاتمون ويتبادلون أقذع الاتهامات والمسبات، يطلقون موجة أخيرة من التخرصات التي يفترضون أنها ستكون بضاعتهم الرائجة لمرحلة ما بعد الهزيمة أو إعلان الاستسلام. ولكنهم في مأزق جد صعب، فمن الآن فصاعداً لن يتعامل معهم أرباب نعمتهم السابقون إلا على أساس هويتهم الأصلية: “ثوار” في سورية فقط وإرهابيون ينبغي استبعادهم والتخلص منهم في كل مكان.
بسام هاشم