بعيداً عن الشخصنة
طلبت إحدى المذكرات التي أعدّتها وزارة الصناعة من مديري مؤسساتها مراجعة واقعها الإداري، وتقييم إدارات الشركات التابعة لها فنياً، بعيداً عن الشخصنة!.
لاشك أن هذا الطلب يثير الكثير من التساؤلات، لكنه يؤكد المؤكد وهو الاعتراف الصريح بأن تقييم عمل الإدارات في وزارة الصناعة يستند دائما إلى “الشخصنة”!.
كل وزير صناعة جديد يبدأ عمله بإعفاء عدد من المديرين أو بنقلهم إلى مواقع أخرى أو بوضعهم تحت تصرفه..
وهذه الإجراءات بحدّ ذاتها تؤكد أن “الشخصنة” ظاهرة متجذّرة في وزارة الصناعة!.
وعندما يُجري الوزير الجديد التغييرات والتعديلات والمناقلات في الإدارات، فكأنه يقول لسلفه بأن إدارته لوزارة الصناعة كانت فاشلة وأنه سيصلح الأمور ويضعها على المسار الصحيح!.
وقد يقول البعض إن من حق أي وزير جديد أن يأتي بكادر يتمتّع بالخبرات، قادر على ترجمة رؤيته بإصلاح القطاع العام الصناعي..
حسناً.. إذا كان الوزير السلف أخفق لأنه اعتمد منهج “الشخصنة”.. فهل الوزير الخلف ابتعد عن الشخصنة؟.
بسؤال دقيق جداً: هل المعايير والآليات التي يعتمدها أي وزير صناعة جديد في تعيينات الإدارات الجديدة تستند إلى الخبرات والكفاءات، أي وفق شروط عامة محدّدة ومعلنة سلفاً؟.
الملفت في هذا المجال أن هذه المعايير والآليات لشغل المناصب الإدارية في وزارة الصناعة غائبة تماماً، بل لا أحد يأتي على ذكرها، وهذا يعني أن “الشخصنة” هي السائدة سابقاً والآن، وإلى أجل غير منظور!.
والدليل على ذلك أن هناك إدارات عاصرت عدداً من الوزراء ولا تزال في مواقعها وكأنها عصيّة على التغيير، إما لأنه لا يوجد بديل لخبراتها “الفذة”.. أو أن ما من وزير تمكّن من إعفائها أو نقلها أو وضعها تحت تصرفه، إلا إذا قررت هي بنفسها الانتقال إلى موقع آخر!!.
وتتجلّى الشخصنة أيضاً بإعفاء إدارات تمكّنت من تحويل الشركات التي أدارتها من خاسرة إلى رابحة دون أي سبب معلن.. أو بنقل مدير فاشل من شركة لأخرى!.
وقد وصلت “الشخصنة” في إحدى المراحل إلى مستوى خطير جداً، عندما أصبح الشغل الشاغل لرئيس حكومة سابق تشويه سمعة وزير صناعته وتلفيق تقرير له أحاله للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وسبقه في ذلك رئيس حكومة آخر عندما شوّه أيضاً مدير مؤسسة رائدة في سورية فأخرجه منها وقزّم الشركة إلى حدّ لم تجد عملاً لها سوى صناعة الأثاث!.
ونستنتج من ذلك أن “الشخصنة” في وزارة الصناعة -كما في وزارات أخرى- مرض عضال يعرقل إصلاح القطاع العام، ويمنع تنفيذ أي رؤية للتطوير والتحديث!.
لقد سبق وأصدرت رئاسة مجلس الوزراء تعاميم عدة تطلب فيها تقييم أداء المديرين العامين للمؤسسات والشركات دورياً كل ستة أشهر.. فماذا كانت النتيجة؟.
لا شيء…. بل صفر بامتياز!.
والسبب بسيط جداً.. ما من وزير سيقيّم مديراً يدعمه، في حين سيجد في التعميم فرصة لتشويه أداء المديرين الذين يسعى للتخلص منهم.. أي نحن أمام “شخصنة” في حدودها القصوى!.
علي عبود