رغم ملاءمة خصائصها مع خصوصية اقتصادنا قانون العقود ونأي الاستثمارات الكبيرة عن الدخول إلى سورية يعثران صناعة البرمجيات
لم تستطع صناعة تقانة المعلومات والاتصالات أن تكرس ذاتها كصناعة تقود تطور اقتصادنا الوطني أسوة بالعديد من دول العالم، رغم ما تتمتّع به من خصائص تتلاءم مع خصوصية اقتصادنا من انخفاض رأسمالها الثابت، وارتفاع قيمتها المضافة، والأهم من ذلك أن رأس المال الأول والأهم في هذه الصناعة هو المورد البشري، وتأمين فرص عمل بأجور مرتفعة، إضافة إلى تميزها بمرونة أوقات العمل ومكانه. فلا يزال الدور الذي تلعبه هذه الصناعة التي تُعدّ إحدى مكونات اقتصاد المعرفة في الاقتصاد السوري ضعيفاً.
حداثة ولكن!.
ويعود ضعف صناعة البرمجيات في سورية -وفقاً لتقرير صادر عن لجنة قطاع تقانة المعلومات والاتصالات لدى الهيئة العليا للبحث العلمي- إلى ضعف البيئة التمكينية وخاصة فيما يتعلق بقانون العقود، وعدم منح هذه الصناعة أهمية تُذكر في السياسات الاقتصادية الحكومية قبل عام 2005، وضعف كلّ من البنية التحتية الداعمة لهذه الصناعة، ومؤسسات التدريب، والوعي بأهميتها، والطلب الحكومي وكذلك الخاص، إلى جانب ضعف شركات البرمجيات وصغر حجمها، وعدم دخول الاستثمارات الكبيرة إلى هذه الصناعة، وحداثة التأهيل الأكاديمي الذي تحتاجه.
تحليل
وفي معرض تحليل الواقع العام لقطاع تقانة المعلومات والاتصالات أورد التقرير جملة من نقاط الضعف التي تكتنف هذا القطاع، والمتمثلة بضعف البحث والتطوير في المعلومات والاتصالات، وعدم امتلاك القطاع الحكومي عدداً كافياً من الأطر المؤهلة للعمل في مبادرة الحكومة الإلكترونية، وارتفاع نسبة المكوّن الأجنبي في استثمارات قطاع تقانة المعلومات والاتصالات، إضافة إلى التأخر في تنفيذ مشاريع المعلوماتية، ووجود ضعف في الإجراءات المتعلقة بها، إلى جانب ضعف التنسيق ما بين مختلف الجهات العاملة في مجال تقانة المعلومات والاتصالات.
عدم وضوح
كما أن هناك العديد من المخاطر المحيطة بهذا القطاع، كغياب مناخ ملائم ومحفز للاستثمار في مجال تقانة المعلومات والاتصالات، والضعف في تطوير المناهج التدريسية بوتيرة مناسبة لتسارع تطور علوم المعلوماتية وتطبيقاتها، وأيضاً وجود ضعف في المعلومات الدقيقة لهذا القطاع، وضعف القدرة على قياس مؤشرات تطوره، إلى جانب الحصار التكنولوجي المفروض على سورية، وضعف درجة الوعي بقدرة تقانة المعلومات والاتصالات وأهميتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ونقص الثقة بالمعلومات وأمنها، وعدم وضوح خطة التواصل مع المواطن وباقي الجهات المعنية فيما يتعلق بقضايا التطوير، وعدم القدرة على الاحتفاظ ببعض الخبرات المهمّة.
مقبول
في المقابل ثمّة العديد من نقاط القوة في هذا القطاع، منها انتشار الهاتف الثابت والخلوي وبدء انتشار مراكز خدمات المعلوماتية وانتشار الحواسيب بمعدل مقبول، وتوفر كليات المعلوماتية والمعاهد الحكومية والخاصة القادرة على إعداد الكوادر البشرية، إضافة إلى أن معظم البيانات الأساسية متوفرة إلكترونياً وبمعدلات جودة يمكن البناء عليها. مع وجود فرص عمل لكل الخريجين في مجال تقانة المعلومات والاتصالات سواء في القطاع العام أو الخاص، وكذلك وجود معايير خاصة بأمن المعلومات وأخرى بإجراءات التوريد والتعاقد للمشاريع المعلوماتية، وصدور قانون التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة.
علاقة إيجابية
وكذلك هناك فرص عدة أمام تطوير هذا القطاع ليس أولها تبني التطوير والتحديث واعتماد النهج التشاركي في العلاقة ما بين الحكومة والمواطن، والتأكيد على أهمية مبادرة الحكومة الإلكترونية كأداة في تحفيز الإصلاح الإداري المطلوب، ولا آخرها توسيع البنى التحتية للاتصالات الدولية “الكابلات البحرية والأرضية” لتأمين سعات أكبر للاتصالات والانترنت، والاستفادة من الموقع الجغرافي بحيث تكون سورية منطقة عبور من الشرق إلى الغرب وبالعكس، إضافة إلى الاستمرار في تحرير جزء من خدمات الاتصالات لإتاحة المجال أمام المشاركة الأكبر للقطاع الخاص فيها، ووجود خبرات سورية مهمّة في مجال المعلوماتية مغتربة يمكن أن تساهم في دعم الخبرات المحلية، إلى جانب قدرة القطاع الخاص في سورية على المساهمة في تمويل المشاريع الكبيرة نسبياً، ويمكن للحكومة أن تؤمن تمويلاً لمشاريع البنية التحتية وبعض المشاريع الحيوية الأخرى.
مقترحات
وخلص التقرير إلى جملة من المقترحات العامة لتطوير قطاع تقانة المعلومات والاتصالات، يتصدّرها إنشاء مركز موارد مفتوحة المصدر، وتطوير البنية التحتية للمعلومات والاتصالات، ولاسيما المتعلقة بالحزمة العريضة، وتطوير المناهج التعليمية لتواكب المستجدات في عالم المعلوماتية والاتصالات، والتركيز على التفكير الإبداعي لدى الطلاب وتأهيل الخبرات التدريسية في مجال المعلوماتية لكامل منظومة التعليم، وإنشاء شبكة معرفية بين المؤسسات والخبراء في مجال تقانة المعلومات والاتصالات، إضافة إلى تأهيل الكوادر والاستفادة من الطاقات البحثية في مجال تقانة المعلومات والاتصالات لدى المغتربين السوريين، والتركيز على استثمار الطاقات الشبابية، وإحداث بنك معلومات أو مركز موارد وطنية لقطاع تقانة المعلومات والاتصالات وتحديثه بشكل دوري، إضافة إلى الإسراع بإنشاء المدينة التكنولوجية الذكية في الديماس بدمشق، واتخاذ قرار بإنشاء مدينة مماثلة في حلب، وزيادة عدد الحاضنات لشركات البرمجيات وتوسيعها لتستوعب عدداً أكبر.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com