عدنان فتح الله: لدينا ما يستحق وجود شركة إنتاج موسيقية
ترجمةً لأهداف الفرقة السورية الوطنية للموسيقا العربية في توثيق وصون التراث السوري والموشحات السورية، بطريقة أكاديمية تعتني بالتفاصيل وتمتلك لونية موسيقية جديدة من خلال التوزيع الأوركسترالي تقيم الفرقة قريباً بقيادة مؤسسها الموسيقار عدنان فتح الله حفلاً في مركز الفنون البصرية تحت عنوان “الموشح السوري غناء ورقص” بمرافقة فرقة للرقص التعبيري بإشراف محمد شباط، وأوضح فتح الله أن أعضاء الأوركسترا نحو 40 عازفاً، في حين يتألف الكورال من 22 مغنياً ومغنية، وستُقدَّم في الحفل عدة موشحات لعمر البطش وعدنان أبو الشامات وعبد القادر حجار من توزيع فتح الله والموسيقي الشاب مهدي المهدي، أما التوزيع الأوركسترالي للأعمال فهو لكمال سكيكر وشعلان الحموي.
البعد الثالث للموسيقا
ويبيّن فتح الله أن التوزيع الأوركسترالي للموشح الجاهز يضيف دائماً البعدَ الثالث للموسيقا التي تفتقد إليه الموسيقا العربية ذات الخط اللحني الواحد إما لعدم استغلال إمكانية آلات جديدة لتعطي ألواناً موسيقية أخرى، أو لعدم وجود هذه الآلات في فترة من الفترات كالموسيقا والأغاني القديمة.. من هنا تتم إعادة توزيعها من قِبل الفرقة لإضافة ألوان موسيقية جديدة تواكب العصر، مع الحرص على عدم خدش الطبيعة الشرقية للعمل الموسيقي الذي يُقدَّم وتقديمه بتوزيع مناسب ودون مخالفة لما في ذاكرة الناس، وهذه الأمور من الأشياء التي يجب أن يراعيها الموزع، والأمر بالعموم برأي فتح الله يعتمد على الموزع الموسيقي وما يمتلكه من تراكم من الاستماع والألوان الصوتية المرافقة وقدرته على مزجها وتكوين لون جديد قريب للناس، أما في التأليف الأوركسترالي فيرى عدنان فتح الله أن الحرية تكون مطلقة في ظل عدم وجود مادة بين يدي الموسيقي لإعادة توزيعها، فيؤلف بحرية وحسب فكره وتوجهاته وقدرته.
التعامل مع التراث أمر حساس
وباعتبار أن الفرقة أعادت توزيع العديد من الأعمال الموسيقية والغنائية التراثية يؤكد فتح الله أن مطباتها في هذا المجال كانت قليلة جداً لأن موضوع إعادة التوزيع كان وما زال جزءاً من فكرها وهي تعيد توزيع بعض الأعمال بإضافة ألوان موسيقية جديدة عليها دون الاقتراب إلى اللحن أو النمط أو الصبغة الشرقية له، واعترف أن هناك الكثير من الموزعين الذين يقدمون الأغاني التراثية بشكل مختلف تماماً عن الأصل، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة له لأن التعامل مع التراث أمر حساس، وهذه الطريقة تشوهه وتفقده هويته بدلاً من أن تطورها، وبيّن فتح الله على صعيد الفرقة وواقعها أنها تستعين أحياناً بآلات ليست موجودة في هيكليتها كالبيانو والآلات النحاسية وآلات الإيقاع الكلاسيكي لتقديم تجارب إبداعية لها علاقة بالتأليف والتوزيع بهدف إضافة نوع من الحداثة على الموسيقا، وهي خطوة مهمة برأيه تم من خلالها جذبُ الشباب للاستماع إلى الموسيقا العربية بشكل يتناسب مع العصر وإيقاعه من خلال بعض الإضافات التي يقدمها مؤلفون شباب يلامسون بمؤلفاتهم أبناء جيلهم شكلاً ومضموناً، وأشار فتح الله إلى أن الهيكلية الأساسية للفرقة هي آلات الصولو العربية: العود-القانون-الناي-البزق، وأحياناً الأوكورديون وآلات الإيقاع الشرقي والوتريات: كمان أول-كمان ثان-فيولا-تشيللو-كونترباص، وهذا كله يحقق للفرقة والموسيقيين إمكانيات مهمة لخلق اللونية الموسيقية التي تريدها ولأن يكتب المؤلفون ما يريدون، كما تتم أحياناً الاستعانة ببعض الآلات الموسيقية الأخرى لتقديم تجربة جديدة فيها نوع من الحداثة للموسيقا العربية.
كانت الفرقة السورية الوطنية للموسيقا العربية قبل العام 2014 تابعة للمعهد العالي للموسيقا وتقيم حفلاتها دون وجود خطة ولا صفة الحفلات الدورية لها، وفي نهاية العام 2013 صدر قرار من وزارة الثقافة بتسمية قائد رسمي لها وإعطاء حفلاتها صفة الدورية -كل شهرين- لتقدم في 14 كانون الثاني 2014 أول حفل لها وفق خطة مدروسة، مع إشارة عدنان فتح الله إلى أن إعطاء صفة الدورية لحفلاتها هو الذي حتم عليها أن تكون فرقة راسخة تحقق برامجها وأهدافها ولها إستراتيجية مهمة تشتغل وفقها وتقدم مشاريع نوعية بالشراكة مع الكثير من الفنانين لتقديم أعمال تخدم الموسيقا السورية بشكل خاص والعربية بشكل عام، ولا ينكر فتح الله أن الفرقة عانت من نقص في كوادرها نتيجة الحرب ولذلك فإن نسبة كبيرة من العازفين الذين يعملون في الفرقة يشتغلون في الفرقة السيمفونية وأوركسترا ماري ويدرّسون أطفال معهد صلحي الوادي وطلاب المعهد العالي للموسيقا، ووجه الشكر والتقدير لهم وهم من صمدوا وقدموا الكثير لإيمانهم بأهمية الموسيقا وتأثيرها على الكبار والصغار رغم شحّ الأجور التي يتقاضونها.. وعن أسباب غياب أوركسترا الموسيقا العربية لأطفال معهد صلحي الوادي التي أسسها فتح الله أوضح أن الفرقة كانت قد تأسست عام 2008 وأقامت العديد من الحفلات في سورية وخارجها وكانت لها نشاطات مهمة واحتفلت عام 2015 بالعيد السابع لها وشاركت في يوم الثقافة إلا أن الحرب ساهمت في توقفها، ونوه إلى أن إدارة المعهد عرضت عليه قيادتها إلا أن انشغالاته الكثيرة تحول دون ذلك، وتمنى أن تعود وتستمر بقيادة أي موسيقي آخر، وهي في النهاية مادة مهمة جداً للأطفال للأداء الجماعي وتقدم لهم خبرة مختلفة عن العزف الإفرادي.
أهم الإنجازات
شاركت الفرقة بعد فترة بسيطة من تحرير مدينة تدمر في فعالية “تدمر بوابة الشمس” أيار 2016 وكان شعور فتح الله والعازفين في الفرقة لا يوصف لأن إقامة الحفل على مسرح عريق حوّله الإرهاب إلى مكان للقتل كان انتصاراً لحضارتنا وثقافتنا المؤمنة بأن هذا المسرح ليس للقتل وإنما للحضارة والثقافة ونشر المحبة والسلام.. من هنا يرى فتح الله أن هذا الحفل كان من أهم الحفلات التي قدمتها الفرقة، وبعد ذلك يأتي حفلها في معرض دمشق الدولي الذي عاد بعد توقف لعدة سنوات، فكان موضوع خيار مشاركة الفرقة أمراً أسعد جميع العازفين للمشاركة في نشر رسالة تعافي سورية من الحرب على كل الأصعدة، كما تم أيضاً اختيار الفرقة بمشاركة ليندا بيطار ومحمد عثمان لتكون مرسال حب وسلام لتقديم حفلها في ختام المؤتمر الأول للإعلاميين إلى جانب مشاركة جزء من الفرقة بعد ذلك بفترة بحفل على مسرح قصر الكرملين بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة عيد تأسيس الجيش الروسي 22 شباط 2018 وكانت أول فرقة عربية بعازفين عرب (بمشاركة المطربة ليندا بيطار) تقف على مسرح قصر الكرملين، إضافة إلى مشاركتها في حفل “حلب خفْقُ الفؤاد” وتمنى أن تتواجد الفرقة قريباً في مسرح بصرى الشام لإحياء حفلات الفرح والانتصار، وذكّر أن حفلات أخرى أقامتها الفرقة مثل حفلة تحية لنزار قباني وسهيل عرفة كجزء من خطتها لإحياء أسماء مهمة في حياتنا الثقافية والموسيقية، ولتعريف الجيل الجديد بأعلامنا في مجال الموسيقا الذين رسموا ملامح الأغنية والموسيقا السورية، إضافة لإحيائها العديد من الحفلات بمناسبات متعددة.
تجارب مميزة
ويبين فتح الله أن المعهد العالي للموسيقا تأسس عام 1990 وكان قبله المعهد العربي للموسيقا الذي تأسس عام 1960 وقد خرّج هذان المعهدان عدداً كبيراً من المؤلفين الموسيقيين المهمين الذين لهم نتاج موسيقي نفتخر به، ويأسف لأن الأضواء لا تُسلَّط على هؤلاء وعلى نتاجهم الذي لا يوثَّق ولا ينتشر بين الناس إلا ما يتم تقديمه عبر الفرقة السورية الوطنية للموسيقا العربية بحفلاتها الدورية وهي التي تحرص باستمرار على تقديم تجارب الموسيقيين الشباب والقدامى لتعريف الجمهور بهم وبنتاجهم، ومع هذا يؤكد فتح الله أن ذلك غير كافٍ لنشر هذه التجارب أو لتوثيقها، خاصة وأن سورية لديها مؤلفون موسيقيون مهمون جداً من الضروري الترويج لأعمالهم من خلال وجود شركة إنتاج موسيقية مشابهة لشركات الإنتاج الدرامية والسينمائية تكون لها ميزانية كاملة لتنتج ألبومات للمغنين والموسيقيين الشباب، ومن ثم تعمل على تسويقها بالترويج لها لتصبح بين أيدي الجمهور وللحفاظ على أعمال مواهبنا ومبدعينا من النسيان والضياع بدلاً من أن تبقى المؤلفات الموسيقية لموسيقيينا حبيسة الأدراج لعدم وجود شركة إنتاج تقوم على تبنيها بالشكل اللائق، خاصة وأن سورية لديها تجارب مميزة في الموسيقا السورية كتجربة محمد عثمان وعمله “كونشيرتو ناي” الذي قدمه مع إبراهيم كدر وهو الأول مع أوركسترا الذي يوثَّق بهذه الطريقة، وبيّن فتح الله أن ما قدمه عثمان وكدر مؤلَّف جديد تقنياً وموسيقياً ولونياً وهي تجربة سورية جديرة بالاحترام وقد أعطت الموسيقيين السوريين طاقة كبيرة للاستمرار، وأشار كذلك إلى عمله “صوت مهاجر” لآلة الكوالا الذي قدمه لأول مرة على مسرح مركز الفنون البصرية في أيار 2018 وذكّر كذلك بالمؤلف الموسيقي كمال سكيكر الذي قدّم أعمالاً مهمة فيما يخص قوالب الموسيقا الشرقية والسمعيات والغناء، وهؤلاء وغيرهم كثر بحاجة لشركة إنتاج تتبنى أعمالهم، أما دائرة الموسيقا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون فهي برأيه تحاول تقديم ما يمكنها القيام به، ويبدو فتح الله متفائلاً بوضعها بعد أن استلم إدارتها مؤخراً د.مثنى علي خريج المعهد العالي للموسيقا والحاصل على ماجستير في الموسيقا من بلجيكا لأنه يعمل ضمن توجه جديد في الموسيقا لتسجيلات الإذاعة ولكن ضمن الإمكانيات المادية التي ما زالت محدودة.
العلامة الفارقة
ويوضح فتح الله أن العلامة الفارقة للموسيقي السوري والتي تجعله مطلوباً ومميزاً في أي مكان يحلّ فيه أنه يتمتع بإمكانيات موسيقية عالية وضمير مهني وثقافة موسيقية عالية، وهذا يجعله محطَّ إعجاب، لذلك عندما تقيم السيدة فيروز حفلاً لها يتجاوز عددُ العازفين السوريين ضمن فرقتها الـ 70% وقريباً سيشارك عدد كبير من العازفين السوريين في حفل لزياد الرحباني، ولا يخفى على أحد أن العازفين السوريين شاركوا في أهم الأوركسترات العالمية، وهذا يعني أنه لدينا ما يستحق.
قسم الموسيقا العربية
ويشير فتح الله إلى أن قسم الموسيقا العربية في المعهد العالي للموسيقا من أقل الأقسام التي تأثرت خلال الحرب لوجود كوادر وطنية مميزة اعتمد عليها القسم، وبيّن أن أسماء موسيقية مهمة تدرّس فيه كمحمد عثمان وهو من أهم عازفي العود والبزق ومن أهم المؤلفين الموسيقيين، وإبراهيم الكدر وهو من أهم عازفي الناي والكوالا في سورية، كما تدرِّس في صف الغناء الشرقي ليندا بيطار وكمال سكيكر، في حين يدرِّس في صف القانون الفنان عمران عدرة الذي حقق نتائج مهمة مع طلابه على مستوى هذه الآلة، وأكد فتح الله أن القسم يحقق نتائج مهمة، وخير دليل على ذلك فحص التخرّج الذي انتهى منه المعهد مؤخراً وكانت الدفعة فيه من أميز الدفعات، مع إشارته إلى أن الدفعات السابقة لا تخلو من عازفين مهمين رفدوا الحياة الموسيقية في سورية، ونوه إلى أن أساتذة المعهد العالي يؤمنون بواجبهم في الحفاظ على هذه المؤسسة لتخريج موسيقيين يرفدون المشاريع الموسيقية في سورية (الفرقة السيمفونية الوطنية وفرقة الموسيقا العربية) كما يحرص المعهد من خلال الحفلات التي يقيمها إلى جانب الفرقة السيمفونية وفرقة الموسيقا العربية على رفد هذه الفرق بدماء جديدة من خلال خريجي المعهد لأن الموسيقا حالة متطورة، وهي تحتاج لمتابعة من قبل الشباب حتى لا تقع في إطار النمطية.
قيادة الأوركسترا اللبنانية
ومنذ سنوات يشارك عدنان فتح الله في قيادة الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقا الشرقية والعربية بدعوة من قائدها أندريه الحاج، وأوضح أن قيادته للأوركسترا الوطنية اللبنانية بالنسبة لسورية لم تحدث إلا من خلاله، حيث يحرص أندريه الحاج من خلال قيادته على الاطلاع على ما يقوم به الموسيقي السوري على صعيد الموسيقا الشرقية الأوركسترالية لأن تجربته مهمة على هذه الصعيد وبدأت تنتشر في جميع أنحاء العالم، وأسعده مؤخراً أن عازف الكمان اللبناني المعروف جهاد عقل عزف منذ فترة لونغا رياض السنباطي توزيع السوري كمال سكيكر وكان ذلك نتاجَ قيادة فتح الله للأوركسترا الوطنية اللبنانية، فبعد سماعها من قِبل جهاد عقل أُعجب بتوزيعها وقام بعزفها، وبالتالي فإن مثل هذا الأمر برأيه يساهم بانتشار الموسيقا السورية خارج حدود سورية، ونوه إلى أن 70% من برنامجه في قيادته للأوركسترا الوطنية اللبنانية موسيقا سورية وتجارب إبداعية جديدة أو قديمة بتوزيع جديد لمؤلفين سوريين.
أمينة عباس