تونس: موجة احتجاجات جديدة.. وتحذيرات من انفجار اجتماعي
يستعد الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تنظيم موجة من الاحتجاجات الاجتماعية ضد حكومة يوسف الشاهد على خلفية المطالبة برحيله في ظل حالة الاحتقان نتيجة الرفع في الأسعار، وسط توقّعات بأن تتحوّل الاحتجاجات إلى نوع من الانفجار الاجتماعي.
وكشف سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد الشغل، أن المركزية النقابية “قرّرت أن يكون يوم 10 تموز أول يوم لانطلاق الاحتجاجات”، وأضاف: إن “بداية الاحتجاجات ستنطلق من الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تشكو مشاكل كثيرة”، على حد تعبيره.
وكان نور الدين الطبوبي أعلن في وقت سابق أن موجة الاحتجاجات التي سينظمها الاتحاد ستشمل غالبية القطاعات، مشيراً إلى أن “الاتحاد نفد صبره”.
وألقت الأزمة السياسية بتداعياتها السلبية على الأوضاع الاجتماعية التي أخذت نسقاً تصاعدياً من الاحتقان الخطير في عدد من القطاعات وفي عدد من الجهات.
وتصاعد الاحتقان في أعقاب زيادات في أسعار عدد من المواد منها المحروقات والمواد الغذائية الأساسية، الأمر الذي رأى فيه الاتحاد أن الحكومة باتت تتلاعب بقوت المواطن.
وأجج تصعيد اتحاد الشغل، لا فقط تذمر التونسيين من غلاء المعيشة، بل أجج السخط على الائتلاف الحاكم، حتى البعض من الشباب بات يطالب بالخروج إلى الشارع.
غير أن المسؤولين الحكوميين يقولون: إن الزيادات طفيفة، ولا تمس بالمقدرة الشرائية، فضلاً عن كونها ضرورية لتغذية موارد موازنة الدولة والحد من عجزها. ووفق منظمة الدفاع عن المستهلك شهدت المقدرة الشرائية للتونسيين خلال السنوات الأخيرة نسقاً تنازلياً، حتى إنها بلغت 47 بالمئة، وطالت حتى الطبقة الوسطى التي تآكلت شرائحها السفلى، وانزلقت إلى فئة الفقراء الجدد بالبلاد.
من جهته شدد سمير الشفي الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل على أن “جميع المعطيات والمؤشرات قد تقود إلى انفجار اجتماعي سيأتي على الأخضر واليابس”، ولفت في تصريح لوسائل الإعلام المحلية إلى “وجود مخاوف حقيقية من حدوث هذا الانفجار، خاصة في ظل “انفلات” الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة.
غير أنه قال، بالمقابل: إن”استراتيجية الاتحاد قائمة على الحوار والإصلاح والانحياز إلى المصلحة العامة ومصلحة الطبقة المتوسطة”.
ويطالب اتحاد الشغل الحكومة بالتشاور معه وإشراكه في حال اعتزامها على اتخاذ أي قرار اجتماعي، وفي مقدمتها الزيادات في الأسعار، إضافة إلى إشراكه في صناعة القرارات الحكومية المصيرية، متهماً الشاهد بـ”السعي إلى تهميش دوره”.
وفي مسعى إلى تخفيف الاحتقان أعلن يوسف الشاهد خلال الأيام الماضية على إجراءات تشمل مساعدة العائلات المعوزة والفقيرة وعن مشروع قانون يشجع عن الأعمال الاجتماعية يتضمن العديد من الحوافز والتسهيلات لتشجيع الشباب على ريادة الأعمال وبعث المشاريع ذات البعد الاجتماعي والبيئي. غير أن تلك الإجراءات لم ير فيها المراقبون إلا نوعاً من سياسة الهروب إلى الأمام من خلال إجراءات ترقيعية تنم عن غياب رؤية برامجية لفتح الملف الاجتماعي بكل جدية وجرأة وتركيز سياسات تعيد التقاسم العادل لعائدات الثروات.
وقال لطفي العربي السنوسي الخبير في السياسات الاجتماعية: “الواقع أن تونس الآن مهيأة لانتفاضة شعبية عفوية لن يتفاجأ بها التونسيون بما أن كل أسبابها قد تهيأت بالفعل، خاصة بعد أن اختارت حكومة الشاهد الذهاب بعيداً في إجراءات أنهكت التونسيين”، وتابع: “لقد اختار الشاهد الطريق السريع للإنقاذ، ولكن حوادثها المتوقّعة ستكون أليمة وموجعة وقد تدمر كل المسار الذي قطعته تونس على امتداد ثماني سنوات من التضحيات الاجتماعية التي قدّمها التونسيون”.
وتسود قناعة لدى غالبية التونسيين أن الحكومة كثيراً ما تعسّفت على الفئات المتوسطة والفقيرة من الموظفين من خلال انتهاج السياسات الضريبية، فيما فشلت في وضع حد للتهرب الضريبي بالنسبة للأثرياء من رجال الأعمال والأطباء والمحامين والتجار وكل العاملين في القطاع الخاص. ويقدّر اتحاد الشغل أن التهرب الضريبي ما بين 5 و7 مليار دينار سنوياً ( 2.3 -2.8 مليار دولار) وهو يرى أن 80 بالمئة من ثروات تونس يستحوذ عليها 20 بالمئة.
ويخشى مراقبون أن تنفلت موجة الاحتجاجات القطاعية التي يعتزم اتحاد الشغل تنظيمها عن السيطرة، ويفشل في تأطيرها لتجتاح البلاد ما يشبه الانتفاضة الثانية، ويضيفون: إن اتحاد الشغل يدرك خطورة الغليان الاجتماعي، ويعي أن الانفجار الاجتماعي إذا ما انطلق فإنه سيكون وخيماً، وقد تتجاوز خطورته الانتفاضة الأولى نظراً إلى التونسيين، كانوا عام 2010 أفضل حال مما هم اليوم.
وتشهد الأحياء الشعبية المتاخمة للمدن الكبرى والمناطق الداخلية حالة من الغليان الاجتماعي، وكأنها تنتظر إشارة اتحاد الشغل للخروج للشارع في نوع من الانتفاضة.
ويحمّل غالبية التونسيين كلاً من نداء تونس وحركة النهضة- التي باتت تسوق الشاهد وفق ما تشاء على حد تعبير رضا بلحاج رئيس حزب حركة تونس- أولاً مسؤولية تدهور الأوضاع العامة والأزمة السياسية والهيكلية، ويقول لطفي العربي السنوسي: “من الصعب أن يتواصل الوضع على ما هو عليه، وإن تواصل فإنه ينبئ بانهيار تام للدولة التونسية ومؤسساتها المعطلة والتي أصابها الشلل كنتيجة حتمية وموضوعية للاختناق الاقتصادي والسياسي، خاصة وأن كل الأطراف المتنازعة حول السلطة، إنما هي بصدد البحث عن النجاة بنفسها بمعزل عن الاختناق العام”.