حماة الزبون
اتفق الشارع أم اختلف فرقاء الأسواق ومرجعيات المؤسسات على مساحة التغطية والقدرة النوعية في قيادة إحدى كفتي ميزان السوق، إلا أن الأثر المأمول في تحقيق التوازن الإيجابي لمصلحة المواطن لا يقبل الشك في سياق النوايا الحكومية الرامية لجعل أيدي وأرجل العملية التجارية الداخلية ممسوكة ومضبوطة بأذرع قادرة ومقتدرة على صياغة الكفاءة الرشيدة لعلاقة التاجر بالمستهلك و سلطة الرقابة على الأسعار والمواصفة.
قد تفوق العوامل النفسية والافتراضية للتدخل الحكومي بالسوق تلك المادية والاقتصادية البحتة على أهميتها بالنسبة للزبون “بالع الموس على حديه”، ولكن ثمة قناعة لا يختلف عليها اثنان بأن الجدوى التي يتلمسها جميع الأطراف من تجذر مؤسسات الدولة التدخلية وصلت لمسافات لا يعرف قيمتها إلا من يفقدها؟
وبواقعية المشهد يدرك المتشابكون والمتقاطعون في مصالح الحركة التجارية وفوائد الانسيابية السلعية وأحقية المنطقية التسعيرية بأن ما تفعله “السورية للتجارة وشقيقتها الاجتماعية العسكرية” على الأرض يعد إنجازاً بالتصنيفات المؤسساتية والاجتماعية لاقتصاد اعتمد ليكون في خدمة المجتمع وليس في صف التجار القادرين بملاءتهم المالية وكلمتهم الواصلة “بحكم أن صوت الرأسمال مسموع” حتى لو همس همساً، في حين يكون الطناش حاضراً ولو صرخ المستهلك بأعلى صوته، وهذا المحك لولادة مؤسسات وجمعيات وجدت لتكون “حامية الزبون” لأنه الحلقة الأضعف بشهادة المنطق وصدى الصوت الذي أسلفنا مفاعيله؟
في توجه كالذي نحن فيه يكثر من يتهم بمغازلة قد يراها في غير مكانها متذرعاً بأن بعض التسعير في بعض الصالات يعلو الأسواق في تهجم دوافعه ومسبباته ليس وضع “الأذرع” في خانة “اليك” بل تعمد التشويه والإساءة وترصد العثرات والهفوات على نية نسف الحضور ومحو النتائج وتسفيه العمل، وبالتالي ترك الميدان خالياً للمتاجرين بالمستهلك وزارعي الأفخاخ في طريق تسوقه وتبضعه في أيام طفحت فيها المعاناة وعاثت فيها فوضى الاحتكار والتلاعب والاستغلال فساداً في الأسواق. وهذا ما يشتغل عليه حيتان تقليديون وآخرون مدسوسون لا يمنع أن يكون ملعبهم عقر دار القطاع العام يقدمون خدمات غير نظيفة تؤدي وظيفة “الشاهد من أهله”.
وكيلا نغالي في تقديم تلك الأيدي الفاعلة دعونا نحتكم لفرضية ثبوت العكس وتصور غياب تلك المؤسسات.. ليتخيل كلنا كيف سنكون كلنا كمستهلكين؟ ولن يخرج العاقل من هذه القراءة إلا بموقف مجتمعي موحد يتنادى بالإنقاذ وإحلال وجه الدولة الموثوق مكان ما يصطلح المواطن على تسميته عرفاً “بالسوق السوداء” حتى لو كانت تحت أعين الحكومة وسقف الأنظمة والقوانين؟
إذاً للقضية بعد آخر لا يتوقف عند جزئيات الفوارق السعرية الهامشية البسيطة جداً أحياناً والمهمة أحياناً أخرى، بل في إيجابية الحضور المجرد وكسر حالة الاحتكار ولجم المرابين في الأيام العادية، أما تلك القوة المستخدمة في فصول الطلب الزائد ومواسم التدافع للشراء الملح والإقبال الجمعي لتلبية احتياجات الأعياد وأسواق المدارس والمونة وغيرها فلها وقع يلمسه اللاهثون إلى الرخص والباحثون عن الجودة والمقتنعون أن عباءة الدولة أرحم وأحن ممن يتأففون ويتوترون ويستزلمون برجم الشجرة المثمرة؟!
علي بلال قاسم