غسان كنفاني..!
حسن حميد
لا أدري كم من مرة كتبت عن الأديب الراحل غسان كنفاني كي أعرفه، وكم من مرة دفنت رأسي في مدونته الأدبية كي أتعلم منها وأروّي روحي الأدبية من ينابيعها، كي أعرفه، وكم من مرة قارنت بين نصوصه ونصوص مجايليه من أهل السرد لأرى بعقلي وقلبي لماذا ينوف عليهم، وبم ينوف، ولماذا تجذبنا نصوصه، وأين تكمن أهميتها، أهي في المعاني أم في البناء الفني أم في الأسلوب أم في أمر آخر، أم هي شخصية غسان كنفاني نفسها أم هي مرحلة عقدي الخمسينيات والستينيات حين كانت دولة الاستقلال العربية في بدايات البناء والإعداد؟
لا أدري، ما أدريه هو أنني طاردته وشغفت بما كتبه في القصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي لأعرفه، ولم أكن أعرف عن حياته شيئاً سوى أنه فلسطيني من المدن التي تجاور البحر، وأن الصهاينة اغتالوه بعبوة ناسفة زرعها في سيارته أحد عملائهم في بيروت فقضى فيها هو وابنة أخته فايزة (لميس) الطالبة في المرحلة الثانوية التي كان آخر نداء لها: خالي.. خالي، والذي كان آخر نداء له: فلسطين.. فلسطين.
أذكر أنني جمعت كتبه السردية وامتلكتها بحوالي100ليرة سورية، لأن ثمن الكتاب الواحد منها كان بـ 6 أو8 ليرات، تلك المئة ليرة عرفتني ببعض سحر أدب غسان كنفاني، ولم تعرفني به تماماً، وقد حفظتُ بعض مقاطع قصصه عن ظهر قلب، وأعددت نفسي ودرّبتها كي أتحدث أمام الآخرين عن قصص (البرتقال الحزين) و(الرجال والبنادق) و(موت السرير رقم 12) و(حامد يكف عن سماع حكايا الأعمام) و(العطش) وعن روايات (رجال في الشمس) و(أم سعد) و(عائد إلى حيفا) ومع ذلك ظلّت معرفتي به ناقصة، ناقدان كبيران عرّفاني بـ غسان كنفاني على نحو ما كان بمكنتي أن أعرفه بمفردي، هما د.فيصل دراج، ويوسف سامي اليوسف، وكلاهما عشق كتابته، فكشف كلّ منهما، وعلى حدا، الروح الفلسفي الرابخ في أدب غسان كنفاني، ولكن ظلت معرفتي به ناقصة أيضاً، حب الآخرين من الأدباء والقراء والنقاد هو أيضا أسهم في تعريفي بـ غسان كنفاني، ووعي بالقضية الفلسطينية حاول أن يعرّفني أكثر بـ غسان كنفاني، ومن ثم جاءت، بعد وقت، سيرته الأدبية والحياتية لتجعلني عاشقاً من عشاقه، لأنني شعرت به كائناً يشبهنا، كان يمشي هنا في (حارة الأمين) مثلما نمشي فيها الآن، ويسأل عن أحوال المخيم ويعيشها مثلما نسأل عنها ونعيشها الآن.. والعجيب، وبعد أن تعرفت إلى بعض من أهله (أخي الأديب عدنان كنفاني)، وإلى بعض من الأدباء الذين عرفوه (علي الجندي، غادة السمان، رشاد أبو شاور، خالد أبو خالد، محمد القيسي، ناجي علوش) مازلت أشعر أنني لم أعرفه بعد! ولطالما كنت عاجزاً عن معرفة السبب، أما اليوم فأقول إن السبب واضح.. إذ من منا يدعي أنه يعرف أمه وأباه حق المعرفة، أو يعرف بلدته تمام المعرفة، أو يعرف الحق تمام المعرفة، أو يعرف الجمال كله أو السحر كله، غسان كنفاني هو كذلك، فقد كان، ولا يزال، الأم والأب والبلدة وطيوف الجمال والحق والسحر.. وسيبقى!.
Hasanhamid55@yahoo.com