في استقبال النص الدرامي
أحمد علي هلال
عادة تنصرف المتابعة، بل طقوس المشاهدة إلى الصورة الدرامية وتشكيلها، بل واستحضار صاحب الرؤية فيها/ المخرج، وقد تنصرفُ أكثر إلى تنوع أداءات الممثلين، لا سيما الذين يتجاوزون بوعيهم مساحة الأدوار التي رُسمت لهم، وأصبحت أقدارهم درامية، سواء في مساحات الشر أو الطيبة وسوى ذلك، لكن النص الدرامي على الأرجح هو من يُرى بشكل عابر إذ إن كل نقاط الاستدلال فيه سوف تجهر بها الصورة وحواملها كما الشخصيات على اختلاف مستوياتها، لكن ذلك كله لا يمنع من القول بثقافة النص الدرامي، تلك الثقافة المؤسسة أبداً على وعي الكاتب أولاً، ومن ثم منظومة القيم التي يجسدها في نصه، فهل تحاكي الواقع بذاته، وكيف يشتق طريقته في المحاكاة بمعنى كيف نتأمل أسلوبية ذلك النص، في جدلية التماثل والاختلاف، أم في مفارقة ما نعرفه؟ وهكذا أتاحت لنا النصوص الدرامية بنسختها 2018، أن نرى ذلك البون الشاسع من نص إلى نص، وإذا كان من الطبيعي جداً أن تتفاوت النصوص تبعاً لحوامل وعي كتابها، ومدى قدرتهم على الظفر بشرط الفن، ذلك الشرط المعياري السابق على الشرط الإنتاجي، ومدى ما يفسّر ثقافة كاتب عن سواه، وبمعنى آخر لا نص بلا ثقافة تسهم في المعنى الحقيقي للتنوير بوساطة الدراما، وسواها من المكونات الثقافية، ولعلنا نجهر هنا بحقيقة إضافية ليس بوسع مخرج أن يواسي نصاً مرتبكاً، ولو كانت الصورة من تملأ تلك الفجوات المحتملة في النصوص، وهذا يستدعي بالضرورة جدلية كانت للسينما، وأصبحت لها مقاربات في الدراما التلفزيونية من مثل (سينما المؤلف) التي سادت لوقت طويل وظهر أعلامها ومبدعوها في أكثر النقاط المضيئة في المشهد الدرامي، وعليه فإن تأمل النصوص في ترجمتها صورة ورؤية ومشهديات، لن يأخذنا إلى زخمها التعبيري الممكن، بقدر ما يأخذنا إلى تأمل أن يكون النص بطلاً إضافياً ينضاف إلى جملة مكونات النص التلفزيوني، فما لم يعد مقبولاً اليوم هشاشة ما بعينها، بل كثافة تعني روح المؤلف، وكيف تتشكل في أكوان حاملها الآخرون، وعلى سبيل المثال (فوضى)، ومن قبلها (الندم)، للكاتب حسن سامي اليوسف، و(روزانا) لجورج عربجي، أو (رائحة الروح) للكاتب أيهم عرسان، على الأقل هنا سنجد معنى المغامرة في كتابة تلك النصوص، وتوسلها إلى أن تكون المعادل للصورة الدرامية، والصورة بوصفها الآن مرايا صقيلة ستعلل تلك الصيرورات المحتملة للشخوص والأفكار، والأدل هنا أيضاً هو تعبير الصور الذي يعيدنا إلى جدلية النص الدرامي، في قبضه على الشعريات العابرة للنصوص، ربما كان مسلسل (وحدن) من سعى لتوظيف قدرات اللغة بوصف ذلك العمل يستدخل غير قضية، فضلاً عن اعتماله بالأساطير والمحكيات واستنطاق التاريخ، ليكون المعادل لما يجري في الواقع دون أن يشبهه بالضرورة، فالحديث عن ثقافة النص الدرامي لا يختزل بإنجازه النهائي، بل بمدى قدرته على أن يتفوق على ذاته، وأن يحمل ذلك القدر من الدهشة وكسر أفق التوقع، وبعيداً عما يقال عن أدبية النصوص الدرامية أو طبيعتها المهنية الخالصة، فإنها مازالت تستدعي كل تلك الأسئلة العابرة لها، لتكتمل معادلة ذهبية (النص – الكاتب – المخرج) والقيمة المضافة في المُستقبِل، أي المتلقي الذي يعيد إنتاج النصوص لا استهلاكها فحسب، وبمرايا تأويله الخاص لتظل جملة ما أثيرة في تواتر الأحاديث، فضلاً عن أن تعليق المؤلف قد يمثل بعداً آخر (نصياً) يشي للمتلقي بغير حامل دلالي للنص والمثال على ذلك (ضيعة ضايعة) للكاتب د. ممدوح حمادة، أو في العنونة التي وجدناها في الكثير من الأعمال وهي مازالت تمثل جزءاً من مكونات التأليف، فهل يعي كتاب الدراما تلك الاستراتيجيات ليظل المثلث ذهبياً بحق.