“الموقع الجيوسياسي لسورية” في ملتقــــى البعــــث للحـــوار
دمشق- محمد عرفات:
عناوين هامة أثارها الرفيق رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام القطري د. مهدي دخل الله ضمن ملتقى البعث للحوار، الذي أقامته قيادة فرع القنيطرة للحزب لمناقشة “الموقع الجيوسياسي لسورية”، فقد تطرّق د. دخل الله إلى سبب نشوء مفهوم “الجغرافيا السياسية” ومدى تحكمه بالسياسات الخارجية للدول الكبرى ونظرتها إلى غيرها من الدول، فضلاً عن المصطلحات والمفاهيم التي اشتقت منه، والخرائط الاستعمارية التي تكوّنت بسببه.
وأشار الرفيق دخل الله إلى أن البعد الاستعماري كان وراء ظهور هذا المفهوم، الذي يعتقد منظّروه أن الحياة لشعب ما تعتمد على خصائص الجغرافيا والأرض، ذاكراً أن هذا الكلام صحيح، لكن ليس بالمطلق، وأضاف: إن بدايات نشوء “الجغرافيا السياسية” تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حين وضع البريطانيون أسس هذا المفهوم واستخدموه وسيلة وقاعدة لمخططاتهم الاستعمارية، مشيراً إلى أن منطقة “أوراسيا” – التي تعني أوروبا وآسيا – كانت بالنسبة للقادة الاستعماريين البريطانيين البقعة الأفضل والثقل الحقيقي للعالم.
وأكد د. دخل الله أن النازيين أضافوا رؤيتهم الاستعمارية الخاصة بهذا المفهوم، عندما ترسّخت قناعة لديهم بأن الدولة لن تقوم لها قائمة إلا إذا امتد تأثيرها خارج حدودها، الأمر الذي دفع بأدولف هتلر للاعتماد على النظرية العرقية من أجل التمدد والتوسع بعيداً عن حدود ألمانيا.
ورأى أن ما سبق، أدى إلى ظهور مصطلحين آخرين إلى جانب “الجغرافيا السياسية” هما “المجال الحيوي” و”الأمن القومي”، مبيّناً أن الأول ظهر في عهد النازيين لتبرير توسّعهم على حساب الدول الأخرى، بحيث لا يقتصر مجال الدولة وفق رؤيتهم على حدودها فقط، وإنما يتعدّاها إلى خارجها أيضاً، أمّا بخصوص المصطلح الثاني، فالأميركيون هم من وضعوا أسسه، والذي عنى بالنسبة إليهم أن الدولة لن تأمن على نفسها إلا إذا أمّنت مصالحها خارج حدودها، مؤكداً أن هذا المصطلح ما هو إلى نسخة أميركية لمفهوم “المجال الحيوي” الذي ابتكرته النازية.
كما تحدّث الرفيق رئيس المكتب عن خارطة استعمارية وجيوسياسية جديدة وضعها الأميركيون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي تختلف جذرياً عن تلك الخارطة التي وضعها البريطانيون، مشيراً إلى أن الأميركيين صنّفوا العالم جيوسياسياً إلى مناطق ثلاث هي: قلب الأرض والتي تضم ما كان يسمى سابقاً الاتحاد السوفييتي، والأراضي الطرفية، وهي تبدأ من النرويج، وتشمل أوروبا الغربية ومنطقتنا وصولاً إلى الكوريتين واليابان، ما يجعلها في نظر الأميركيين أشبه بطوق للمنطقة التي أسموها قلب الأرض، والخاتم أو الإصبع الخارجي، وهي القارتان الأميركية الشمالية والجنوبية.
ورأى أن “الأراضي الطرفية” كان لها أهمية خاصة لدى المنظّرين الأميركيين، دفعتهم للسيطرة عليها من أجل محاصرة الاتحاد السوفييتي ومنعه من الوصول إلى المياه الدافئة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لم تتخل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عن فكرة تطويق روسيا الاتحادية بالرغم من انتهاء المشكلة الأيديولوجية بين البلدين، فعملت على تطويق موسكو وخنقها بحرياً عبر حلف الناتو، الذي سعى إلى ضم دول أوروبا الشرقية إلى صفوفه والاقتراب أكثر فأكثر من تخوم الروس.
وبسبب ما سبق، أشار الرفيق دخل الله إلى أن قمة بوتين- ترامب التي ستعقد في السادس عشر من الشهر الجاري في هلسنكي، ستناقش مسألة انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، وأن الرئيس الروسي سيسعى إلى بقاء الوضع كما كان سابقاً، حين تمّ الاتفاق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على بقاء فنلندا محايدة وأشبه بفاصل بين المعسكرين السوفييتي والأميركي.
وفي إشارة إلى مدى تحكم مفهوم “الجغرافيا السياسية” بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، أوضح د. دخل الله أن الجمهوريين على مدى سنوات طويلة، نظروا إلى المحيط الهادئ والدول الواقعة في جوارها على أنها تشغل ثقلاً أساسياً في العالم، الأمر الذي يفسر سبب اندفاع ترامب نحو عقد مباحثات ومفاوضات مع الرئيس الكوري كيم جونغ أون.
كما تطرّق الرفيق دخل الله إلى أن سورية عبر مراحل مختلفة وطويلة من تاريخها، أكسبت موقعها الجيوسياسي أهمية مضافة من خلال موقفها السياسي واستقلالية قرارها وسياديته، ذاكراً في هذا الصدد أن إحدى الدول العربية الكبرى التي تحظى بموقع جيوسياسي مؤثر، وتمتلك منفذاً بحرياً مهماً جداً، فقدت تأثيرها الإقليمي واحترامها العالمي كون قرارها وموقفها غير مستقلين، الأمر الذي أفقدها أهميتها الجيوسياسية والإقليمية، كما أشار في هذا الصعيد إلى حديث وزير دفاع النظام القطري – حين زار الولايات المتحدة قبل أشهر – بخصوص قدرة ترامب على حل الخلاف القطري السعودي بالهاتف، مؤكداً أن ذلك يشير بوضوح إلى أن الأوراق والملفات الهامة التي تتمتع بها البلدان والشعوب أيّاً كانت، ستفقد أهميتها ودورها في حال السير على نهج التبعية وابتعادها عن القرار السيادي المستقل.
وتركّزت مداخلات الحضور على الطبيعة الاستعمارية لـ “الجغرافيا السياسية”، ودور هذا المفهوم في تشكيل الأحلاف والمصالح السياسية والاقتصادية للدول، إضافة إلى ما تتميز به سورية من استقلالية في القرار ونهج مستمر في الوقوف ضد المخططات والأحلاف الاستعمارية.
حضر الملتقى الرفاق والسادة أمين وأعضاء قيادة فرع القنيطرة للحزب وقيادات شعب وفرق الفرع، ومعاون وزير الأوقاف، ورئيس لجنة الرقابة والتفتيش الحزبي، ومستشار وزير الثقافة، ورئيس اتحاد الناشرين العرب، والعديد من المفكرين والمهتمين.