اللجان التحكيمية المحلية حاجة اقتصادية واجتماعية
يندر أن يخلو تجمع سكاني من حدوث خلافات بين بعض سكانه لسبب ما، ويختلف نوعها وحجمها ومنعكساتها الاجتماعية والاقتصادية، من تجمع لآخر، ولعقود مضت كان يتم حل أغلب هذه الخلافات شعبياً وبالتراضي، من خلال تدخل الأقرباء أو المختار، أو أحد شيوخ القرية أو الحي أو أحد الوجهاء، أو المنظمة الرسمية أو الأهلية، التي يتبع لها التجمع السكاني، ما ترك آثاراً إيجابية فاعلة في دعم الوفاق الاجتماعي، ووفر على المتخاصمين الكثير من الأعباء الاقتصادية، إذ يندر أن تحمَّل طرفا الخصومة تبعات مادية، جراء حلول كهذه، وقد أثمرت هذه التدخلات، عن أن القليل المستعصي من الخلافات هو الذي كان يصل إلى المحاكم الرسمية، بدليل أن تلك المحاكم – على قلتها حينئذٍ – لم تكن مزدحمة بالدعاوى، كما هي عليه الآن، وكان المحامون يعدون بالآحاد على مستوى المنطقة، ولكنهم في هذه الأيام يعدوا بالعشرات على مستوى الكثير من البلديات.
خلافاً لسابقات السنين فقد شهدت العقود الأخيرة ازدياد عدد الخلافات بالتتابع، وتراجعت نسبة المعروض منها للحلول الشعبية، وازدادت الدعاوى التي غصت بها المحاكم، ما أدى إلى وجود فيض منها، أدى لإطالة فترة المحاكمة، ما دفع وزارة العدل لتوسيع نشاط المحاكم، الذي سيحمل الاقتصاد الوطني نفقات جديدة كبيرة، كما أن اتخاذ القرار الرسمي الجديد، بإلزام طرفي الدعوى بتكليف محامٍ، سيرتب نفقات إضافية، على طرفي الدعوى، لم تكن معهودة في الحسبان من قبل – إذ كان الكثيرون يمثلون أنفسهم – وعلى الأغلب سينجم عن ذلك إطالة فترة التقاضي، نتيجة الاستمهالات والمذكرات التي سيكثر منها محامو الطرفين، وخاصة محامي الطرف الأقل حظا في كسب الدعوى.
نظراً لأهمية تدعيم دور الإدارة المحلية، في تشكيلتها القادمة عقب الانتخابات المقررة في أيلول المقبل، وانطلاقاً من مقولة “الصلح سيد الأحكام” ومقولة “صلح خاسر خير من دعوى رابحة ” وبغية تدعيم حالات الوفاق الاجتماعي وتخفيف الخسائر الاقتصادية / المال والوقت / التي يتكبدها طرفا الإدعاء، أرى ضرورة التنسيق بين وزارتي العدل والإدارة المحلية، لدراسة وإعداد واعتماد تشريع يقرر إحداث لجنة (أو لجان) تحكيمية رسمية، ضمن مركز كل بلدية – لتكون بديلة عن التدخلات الاجتماعية المعهودة والتي أفل دورها في كثير من التجمعات السكنية – بحيث تكون اللجنة التحكيمية مؤلفة من رئيس البلدية ومحامٍ من قطاع البلدية ومختار القرية أو الحي، وطرفي الإدعاء أو ممثل عن كل منهما، مهمتها النظر السريع في القضايا الخلافية التي تعرض عليها من المتخاصمين، الذي على كل منهم أن يتقدم بادعائه / المرفق بكامل مستنداته ووثائقه التي يراها تدعم أحقية ادعائه/ إلى اللجنة التحكيمية ، ما يتيح لها أن تتمكن من الإحاطة بحيثيات الخلاف، وتدارس ذلك أثناء اجتماعها مرة أو مرتين في الأسبوع، أو عند الاقتضاء، وتقترح حلاً صلحياً رضائياً في ضوء ذلك، وخلال شهرين على الأكثر، على أن تبين اللجنة رأيها حال كانت نوعية الخلاف خارجة عن قدرتها على البت فيه، وحال عدم قبول أحد الطرفين لهذا الحل يكون من حقه الإدعاء أمام المحاكم المختصة، التي عليها عدم قبول الإدعاء ما لم يكن مرفقاً به صورة عن مطالعة اللجنة التحكيمية المعنية في البلدية، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن يتضمن التشريع المبلغ الرمزي المتوجب على كل من طرفي الدعوى دفعه في البلدية / بموجب إيصال مرفق بالدعوى / وذلك كتعويض لقاء أتعاب اللجنة التحكيمية، التي يجب أن يمنح أعضاؤها نسبة / 80%/ منه، والباقي لصالح صندوق البلدية، وسيجد الجميع أن هذا الرسم، هو أقل بكثير من المبالغ الكبرى التي سيتم دفعها عبر المحاكم المختصة.
إن اتفاق وزارتي العدل والإدارة المحلية على اعتماد هذا التشريع المقترح، يؤسس لدعم دور الإدارة المحلية في معالجة الكثير من شؤون مواطنيها، ويؤسس لزيادة اللحمة الاجتماعية بينهم، ويخفف عنهم الكثير من أعباء المحاكم وقتاً وجهداً ومعاناة وأموالاً ، كما يحفف كثيراً من العبء الملقى على عاتق وزارة العدل.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية