عودة إلى سوتشي وما بعدها .. للتذكير
د. صابر فلحوط
تؤكد الوقائع والأحداث التي كانت مادتها الحرب الكونية على سورية العربية خلال السنوات السبع الماضية أن “صفقة القرن” التي أعدت في الدوائر الأمريكية الصهيونية الرجعية، إنما كانت الجذر، والأساس للمؤامرة الكبرى على المنطقة تحت عنوان “الربيع العربي” .. وإن نجاح هذه المؤامرة يمكن أن يكون مضموناً من وجهة نظر صانعيها إذا تمكنوا من القضاء على سورية جيشاً ومؤسسات، ووحدة تراب. !! وقد أكد مؤتمر “سوتشي” بحواراته بين أبناء سورية الواحدة الموحّدة، على تعدد مشاربهم وألوانهم السياسية والعقائدية قدرة السوريين على التعالي على الجراح التي فجّرها الآخرون، خلال المحنة الأصعب من عمر البلد.. وبالرغم من محاولات بعض الأصوات القليلة والخافتة التي حاولت المساس بمقدسات الوطن في استبعاد الصفة الثورية الملازمة لجغرافية الوطن، وتاريخه ومنطلقاته وهي العروبة.
إن النجاح الذي حققه مؤتمر سوتشي برغم حملات الإعلام المعادي قذفاً وقدحاً وتشكيكاً، فقد جاءت بنود بيانه الختامي تأكيداً وترسيخاً غاية في المبدئية والواقعية السياسية والفكرية التي تعاملت بحكمة مع تطورات الأحداث والتوازن بين الممكنات والمستحيلات في العملية السياسية بما يخدم المبادىء والتوجهات الاستراتيجية الوطنية والقومية، ويتساوق مع روح القانون الدولي والقيم الإنسانية والأعراف الحضارية.
ولا بد من التنويه أن التوجهات التي جاءت في بيان سوتشي حول مستقبل سورية كانت مسبوقة ومبنية على الأسس والمنطلقات التي رسّخها وأكدها الرفيق الأمين القطري الرئيس بشار الأسد في خطابه بتاريخ 6/1/2013 عبر برنامجه الشامل الذي يؤكد التمسك بمبدأ أن (الشعب لوحده مصدر السلطات وأصل الخيارات)، كما لا بد من الإشارة أن البيان لم يخل من “هناتٍ هينات” كما يمكن تلافيها لأنها خارج قناعات شعبنا وفهمه بتاريخه وأسلوبه في التعاطي مع الحياة الواقعية في العيش المتجانس والتلاحم المشترك في عملية بناء المستقبل.. فلم تكن سورية على مر عمرها عديد القرون “بدولة طائفية” حتى يطالب الإخوة المؤتمرون بدولة غير طائفية وهي في الوقت عينه عبارة مقززة ومنشزة في السمع والذوق العربيين، وكان ممكناً استبدالها بمصطلح دولة مدنية أو علمانية أو ديمقراطية مجتمعية.
كما جاء في البند الثامن من البيان عبارة (رفض الإرهاب فقط) وهذا ظلم لأبناء الوطن الذي خاض جيشه ومختلف شرائحه أشرس المواجهات ضد الإرهاب، الأمر الذي من الأنسب والضرورة استبدال عبارة “رفض الإرهاب” بعبارة مواجهة الإرهاب ودحره وتكنيسه من الأرض العربية السورية الطهور، كما هي صورة الحقيقة والواقع على الأرض، ولا بد من الإشارة إلى أن صفة “العروبة”، الملازمة لسورية غابراً وحاضراً ومستقبلاً، جاءت خجولة بعض الشيء في البيان.. والحق أن سوتشي تأخر عن موعده سنوات سبع حتى استوت ثمرته وتحققت إمكانات انعقاده بسبب تراكم إنجازات الجيش العربي السوري التي خلقت عصراً جديداً للأمة العربية والعالم عنوانه انتهاء أسطورة الإرهاب والقطبية وغطرسة الأحادية الأمريكية وشركائها في الجريمة العظمى بحق البشرية جمعاء.
إن لقاءً واحداً في سوتشي وفي روسيا الاتحادية، الحليف الأقوى في ميدان مواجهة الإرهاب، بين أبناء سورية العربية، قد حقق من الإنجازات السياسية والمجتمعية ومؤشرات المستقبل الواحد أكثر من تسعة “أو ما تعدون” من اجتماعات جنيف وفيينا وأخواتها.
لقد تأكّد في سوتشي المؤكد في تاريخ سورية، وهو إصرار أبناء سورية جميعاً على السيادة الوطنية والعروبة الحضارية والقيم الجامعة للأمة العربية وفي المقدمة القضية المركزية فلسطين وفاءً لتراب الآباء والأجداد الذين سلموا الأجيال وطناً محرراً وموحّداً وراسخاً، ولا بد من أن تكون أجيالنا كفواً لعهدها الوطني والعروبي مهما تعاظمت الضغوط وارتفع منسوب نهر التضحيات.