أراض خارج دائرة الاستثمار والإنتاجية.. وواقع يتطلب الاستدراك بالسرعة القصوى ..
تأثرت الأراضي الزراعية في سورية بمشكلات عديدة ناتجة عن تعرّض معظمها للتخريب والحرق المفتعل لمحاصيل استراتيجية، ورغم أن السوق لم يشهد نقص أي نوع من المنتجات الزراعية، إلا أن ذلك لا يشير إلى المساحات المزروعة التي تتدنى إنتاجيتها في سنوات الشح، والموزعة على أرض غير قابلة للزراعة، ومراع، ومروج، وأحراج، وهذا ما يؤكد ضرورة زيادة المساحات المستثمرة على حساب غير المستثمرة، بالإضافة إلى أن المساحات الصالحة للزراعة لا تستغل جميعها، وبحسب تقرير وزارة الزراعة فإن المساحة المزروعة بلغت فعلياً 4177 هكتاراً، وهي 950 ألف هكتار للزراعة المروية، وتشكّل نسبة 23%، أما البعلية فبلغت 3200 ألف هكتار بنسبة 77% ، ويتبيّن أن نمط الزراعة البعلية المعتمدة على الأمطار يشكّل النسبة الأكبر من المساحة المزروعة، وتوزعها حسب نوع المزروعات هو 3100 ألف هكتار للمحاصيل والخضار، أما الأشجار المثمرة فتصل إلى 1000 ألف هكتار، وبلغت البيوت المحمية 6425 هكتاراً.
إجراءات تشجيعية
ساهم القطاع الزراعي بنسبة 20% لعام 2011 من الناتج المحلي الإجمالي، وساهم في تشغيل اليد العاملة، وتأمين المواد الأولية لزوم الصناعات الزراعية والتحويلية، كما وفّر كميات من المنتجات المتاحة للتصدير، مدير التخطيط والتعاون الدولي المهندس هيثم حيدر بيّن الأضرار التي لحقت بهذا القطاع، والتي وصلت خلال الفترة من 2011 ولغاية 2016 إلى نحو 16 مليار دولار أمريكي، حيث طال التدمير شبكات الري، ومحطات الضخ الحكومية، والآبار، كما تعرّضت المؤسسات الخدمية والإنتاجية والبحثية إلى أضرار بالغة جراء التخريب والسرقة، ناهيك عن الحصار والعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، والتدابير القسرية التي حالت دون تأمين مستلزمات الإنتاج، وتداول المنتجات، ويضيف حيدر: في ظل هذه الظروف، تعمل الوزارة على بيع بذار المحاصيل الاستراتيجية بأسعار تشجيعية للمزارعين، ويغطي صندوق دعم الإنتاج الزراعي فارق السعر، حيث بلغت قيمة الدعم لعام 2017 أكثر من ملياري ليرة سورية، أما الغراس المثمرة والحراجية فيتم بيعها بسعر التكلفة، في حين يتم توزيع مبيدات المكافحة الإجبارية، والمكافحة الحيوية مجاناً، وغير ذلك كاللقاحات، وخدمات الرعاية البيطرية.
رفع الأسعار
يبقى التسويق والتسعير من الخطوات الهامة في تطوير قطاع الزراعة، ودعم المزارعين، بالإضافة إلى عمليات نقل المحاصيل، ويكشف مدير الاقتصاد الزراعي المهندس مهند الأصفر بأنه يتم تحديد أسعار مجزية لتسويق المحاصيل الرئيسية كالقمح، والشعير، والقطن، وقد تم مؤخراً تحديد وشراء محصول القمح للموسم 2017 و 2018 بمبلغ 175 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، بينما الشعير تم تسعير الكيلوغرام الواحد منه بمبلغ 130 ليرة سورية، وبهامش ربح بلغ 39% للقمح، و28% للشعير، أما بالنسبة للتبغ فتمت زيادة وسطي أسعار شرائه من 828 إلى 2185 ل.س للكيلوغرام، بنسبة تعادل 264%، كما تم تحديد أسعار استرشادية لشراء الحمضيات، والتفاح، والعنب من الفلاح مباشرة، ويضيف الأصفر: تتم حالياً إعادة الإقلاع بمشروع إنتاج بذار البطاطا محلياً، ومشروع إنتاج بذار الفطر الزراعي في محافظة طرطوس، وإعادة تأهيل البيت الزجاجي، ومخابر الأنسجة في مقر المؤسسة، وفرع حلب، كما ستتم إعادة تأهيل مركز غربلة وتعقيم البذار، وإقامة مركز تبريد في محافظة حلب، وبناء مركز غربلة ثابت بحمص.
تنوع زراعي
يقسم الإنتاج النباتي الى ست مجموعات هي: الحبوب، والبقول، والخضار، والمحاصيل الزراعية، والفاكهة، ومزروعات أخرى، وتختلف كمية إنتاج كل نوع من هذه المحاصيل من عالم إلى آخر، ويرى الدكتور عدنان خليل (اقتصاد زراعي) بأن هناك أسباباً عديدة لذلك، أهمها تغير المساحات الخاصة لكل منها، سواء تطبيقاً للدورات الزراعية، أو انجذاباً نحو تغيرات الأسعار، وكذلك اعتماد معظمها على مياه الأمطار، وارتباط إنتاجها بالمناخ الطبيعي، ومجمل الإنتاج النباتي في حالة استقرار نسبي، لكنه يتذبذب هبوطاً وصعوداً، وخاصة في الزراعات البعلية، أما بالنسبة للحبوب والبقول فهناك تفاوت ملحوظ في إنتاجها على الرغم من الثبات التقريبي للمساحة المزروعة بهذين المحصولين، وبصورة عامة هناك تزايد ملحوظ في مجمل الإنتاج الزراعي.
وضع الخطط
تضع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الخطة الإنتاجية الزراعية السنوية بمشاركة كافة الوزارات، والجهات المعنية، والتنظيم الفلاحي، ووفق الموارد المائية المتاحة من خلال لجان زراعية فرعية على مستوى المحافظات، ولجنة مركزية، وهنا يضيف مدير التخطيط والتعاون الدولي بأنه يتم التخطيط بالنسبة للمحاصيل الاستراتيجية: القمح، الشعير، القطن، الشوندر، التبغ، والرئيسية كالبطاطا، وإجراء التخطيط التأشيري لبقية المحاصيل ضمن مجموعات: خضار صيفية وشتوية، وبقوليات، ومحاصيل زيتية لإتاحة الفرصة للمزارع لاختيار المحصول من كل مجموعة من هذه المجموعات، بينما يتم التخطيط للمحاصيل الصناعية وفق احتياجات وزارة الصناعة.
إعادة تأهيل
تحتاج الأراضي الزراعية التي تعرّضت للتخريب خلال الأزمة إلى إعادة تأهيلها لتصبح صالحة للزراعة من خلال دعمها بالأسمدة، وإعادة اليد العاملة إليها، وتحديد المحاصيل التي تناسبها، وخاصة بعد الهجرة القسرية التي تعرّض لها معظم السكان، ويرى أهل الاختصاص بأنها تسببت بتناقص قوة العمل، وهذا ما يحتاج إلى عمليات تدريب وتأهيل للزراعة الحديثة، ودعم الإرشاد الزراعي وتوزيعه في مناطق الإنتاج، مع زيادة عدد الفنيين، بالإضافة إلى رفع مستوى المكننة في الزراعة، وتطويرها من أجل توفير الوقت والجهد الإنساني، وزيادة إنتاجية الأراضي كزيادة نسبة الحصادات، والجرارات، وآليات حصاد الزيتون وعصره، وهنا لابد من الإشارة إلى غلاء هذه الآليات، وعدم قدرة الفلاح للحصول عليها، وعدم توفر الكوادر القادرة على تشغيلها وصيانتها، إذ تحتاج المرحلة القادمة إلى تحويل الزراعة إلى رافد لدعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنتاج، وتنوعه، وقدرته على تلبية السوق المحلية، والتصدير في الوقت نفسه.
خطط إنتاجية
ولا شك في أن الاجتماع الأخير لرئاسة مجلس الوزراء يدل على مدى اهتمام الجهات المعنية بتطوير إنتاجية القطاع الزراعي بمختلف مساراته، حيث اعتمد المجلس منظومة إنتاج خاصة لزراعة القمح في سورية تهدف إلى زيادة كمية الإنتاج في ظل التغييرات المناخية بهدف التخفيف من التأثيرات السلبية لتكرار سنوات الجفاف على هذا المحصول الاستراتيجي، إضافة إلى إنتاج أصناف محسّنة جديدة تتلاءم مع الظروف المناخية المختلفة، كما أقر خطة لاستثمار وزراعة كل الأراضي التي تمتلكها مؤسسات الدولة، والاستفادة منها، واستثمارها زراعياً، واستغلال جميع المساحات القابلة للزراعة، كما قرر البدء بتمويل مشاريع الري الحديث، وكلّف المصرف الزراعي التعاوني بوضع الآلية التنفيذية لهذا المشروع الذي يؤمن التوزيع المنتظم للمياه وفق حاجة كل محصول، ويقلل من الكميات المهدورة، ويحقق جدوى اقتصادية لناحية زيادة الإنتاج، والحد من استنزاف المخزون الجوفي للمياه.
من جهته وزير الزراعة والإصلاح الزراعي المهندس أحمد القادري أشار أيضاً إلى المخاطر التي يواجهها محصول القمح مثل “التبدلات المناخية”، وما ينجم عنها من تأثيرات سلبية، مبيّناً أن الوزارة أقامت ورشة عمل خاصة بإعادة بناء منظومة إنتاج القمح، نتجت عنها مخرجات يمكن تحويلها لبرامج تنفيذية لزيادة إنتاجية وحدة المساحات الزراعية، وإعادة محصول القمح إلى ألقه، مبيّناً أنه تم استئناف تقديم قروض التحوّل إلى الري الحديث لتشجيع الزراعة الأسرية، وتكليف المصرف الزراعي التعاوني بمنح القروض للفلاحين الراغبين بإنشاء مزارع سمكية لتأمين فرص العمل للفلاحين، وتحقيق التنمية الريفية.
ميادة حسن