ماذا بعد معركة الجنوب؟
أيام قليلة ويطهّر الجنوب السوري من رجس الإرهاب، ومعه سيطوي السوريون عامة وأهالي تلك المنطقة على وجه الخصوص حقبة سوداء لم تترك خلالها مجموعات القتل والارتزاق وتجّار القلم ومعهم الداعمون في الخليج وإسرائيل وسيلة إلا واستخدموها في سبيل تنفيذ جزء رئيسي من المخطط الصهيووهابي في تقسيم سورية وتفتيتها مستفيدين من الموقع الجغرافي الهام لتلك المنطقة والتي كانت نقطة انطلاق لحلقات طويلة من القتل والتشريد على يد عصابات القتل الجوال، والدجل والرياء وقلب الحقائق والتلاعب بالعواطف عبر مؤسسات دولية استخدمت لتنفيذ المخطط المرسوم بعناية فائقة بالتعاون مع وسائل إعلام سخّرت كل إمكانياتها خدمة لهذا الغرض.
لكن مع توالي انتصارات الجيش على كل جبهات القتال وفتحه مؤخراً معركة الجنوب، سرعان ما تبددت أحلام نتنياهو في إنشاء منطقة عازلة كالتي كانت في جنوب لبنان باستخدام خونة باعوا الوطن مقابل حفنة من الدولارات، إن كان ممن يسمون أنفسهم “معارضة” زاروا كيان الاحتلال للتنازل عن حقوق السوريين قبل أن يصلوا إلى السلطة ودون أن يكسبوا في النهاية سوى “شرف” مصافحة نتنياهو، تماماً، كما كان حال الأدوات الذين تبين أنهم قلة وتباهوا مراراً وتكراراً باستهداف قواعد الدفاع الجوي دون أن يكسبوا سوى الرضا الأمريكي والإسرائيلي خلال فترة استخدامهم وعلاجهم في مشافي الاحتلال ليس خوفاً عليهم وإنما ليعودوا لاستكمال ما تأمرهم به غرف العمليات في دول الجوار.
سريعاً أدرك ترامب ونتنياهو بأن معركتهما خاسرة في ضوء تصميم الجيش السوري على طرد الإرهابيين وعلمهما علم اليقين أن سيناريو تحرير الغوطة سيتكرر طال الزمن أم قصر، وأن الدولة السورية لن تقبل بأنصاف الحلول بعدما عانى الأهالي ما عانوه من ممارسات وإجرام عصابات القتل والإجرام، وعليه أوقف الرئيس الأمريكي دعمه للمرتزقة وأقفل نتنياهو أبواب علاجهم، وأوصدت غرفة “موك” أبوابها.. فهؤلاء “ثوار” فقط في سورية وإرهابيون في اللحظة التي يفكرون فيها تجاوز الحدود. وهنا توضحت جملة حقائق يأتي في مقدمتها أنه لولا الدعم الخارجي للتنظيمات التكفيرية لما حدث ما حدث في سورية عموماً، وثانياً، أضافت دليلاً جديداً بأن الربيع العربي ليس أكثر من كذبة أراد من خلالها الأعداء تمرير مخططهم التدميري لمنطقتنا وشعوبنا. وثالثاً ربما فهم من قاتلوا إخوانهم في الوطن أنهم ليسوا أكثر من أداة يستغنى عنها عندما تنتهي مدة الصلاحية، أما “المعارضون” في الخارج فقد بدؤوا يتحدثون عن الحل السياسي وعلى ما يبدو أن التعليمات وصلتهم من السيد الأمريكي عبر آل سعود بخفض سقف مطالبهم بعد أن فقدوا كل أوراقهم في الميدان العسكري.
اليوم ومع اقتراب سورية من إعلان نصرها المبين على المتآمرين والخونة والمأجورين يتساءل البعض ماذا بعد معركة الجنوب؟ يمكن القول بأن الدولة السورية لا تزال على موقفها بأن مستقبل سورية يقرره شعبها عبر الحوار ودون تدخل خارجي لكن الحوار مع الشعب الذي تشبث بأرضه ودفع دماً في سبيل الحفاظ على الهوية الوطنية واستقلالية القرار وتحمل مفاعيل العقوبات الظالمة التي فرضت عليه من الغرب وبعض العرب هو المؤتمن على الوطن والانتقال به نحو مستقبل أفضل. وليس من باعوا بلدهم وأطلقوا الرصاص وذبحوا جنود الجيش وأكلوا أكبادهم وقصفوا المناطق الآمنة بقذائف حقدهم وقتلوا طلاب المدارس والجامعات.. إلخ.. هؤلاء لا يحق لهم أن يدوسوا تراب الوطن فضلاً عن تقرير مستقبله أو حتى الحوار معهم.
نحن في ربع الساعة الأخير وسيسجل التاريخ لسورية شعباً وجيشاً وقيادة أنها أفشلت أشرس حرب تشن على دولة، وأنقذت العالم من انتشار الإرهاب وهي ستدشن قريباً مرحلة جديدة في الداخل على جبهتي إعادة الإعمار بيد أبنائها الشرفاء، ومعالجة الثغرات في كل مفاصل الدولة. ومع الخارج فقد بات من المؤكد أنه من سورية سيبدأ إرساء مفاهيم جديدة للعلاقات الدولية وبطبيعة الحال لن يكون للخونة والمتآمرين والمأجورين أي رأي في ذلك.
عماد سالم