بعد “حبة كراميل” مـــازن طـــــه يقـــــدم جوليـــــا بقالـــــب كوميـــــدي خفيـــــف
لا نغالي كثيراً إذا قلنا بأن الموسم الدرامي الأخير غابت عنه المسلسلات الكوميدية بكافة أنواعها، والتي كانت السمة الأساسية له في كل موسم، ولا نعرف ما هي الأسباب التي أدت إلى انحسار هذه الأعمال، حتى إن المسلسل الشهير “بقعة ضوء” كان حاضراً غائباً هذا الموسم بعدما قرر القائمون عليه إعادة عرض بعض لوحاته الجميلة، فيما لم تكن هناك أي دلالات على أن مسلسل “الواق واق” قد أخذ منحى كوميدياً لكونه لم يرتق لمستوى أعمال المخرج الليث حجو السابقة أمثال “ضيعة ضايعة” بجزأيه الأول والثاني، و”الخربة” الذي نجح في كسب جماهيرية كبيرة فجاء المسلسل باهتاً بعيداً عن النكهة الكوميدية التي عرفناها عن أعمال الكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو.
لكن في المقابل كان هناك نكهة اجتماعية كوميدية غير شكل هذا الموسم نجحت في ترك ابتسامة رقيقة على وجه المتابع عبر مسلسل الكاتب السوري المتألق مازن طه الذي نجح في فرض نفسه من جديد عبر مسلسل (جوليا) بطولة ماغي بو غصن، قيس الشيخ نجيب، تقلا شمعون، جيسي عبدو، وسام صباغ، سلطان ديب، إخراج إيلي حبيب، وهو عمل متّصل وشبه منفصل، اجتماعي كوميدي خفيف. وقد حظي المسلسل بمتابعة حارة من المشاهدين، حيث أخرجنا هذا العمل من رتابة الأعمال التلفزيونية التي بات أكثرها متشابها في أفكاره وطريقة معالجته، فقدم العمل قصة طريفة من عوالم المرض النفسي الخفيف، وابتعد عن استغباء شخوص العمل، لكون أبطال معظم الأعمال الكوميدية العربية السابقة هم أناس حمقى، وجهلة، وسذّج إلى حد البلاهة، ولا يطلب منهم سوى التفوه بجمل غير منطقية، وغير واقعية، وغير مبررة أيضاً في سياق العمل التمثيلي بقصد الإضحاك أو الظهور على الشاشة بمظهر الظرافة وخفة الدم، ناهيك عن حركاتهم المفتعلة بعيونهم، وأفواههم، وعضلات وجوههم، أو أطرافهم العلوية والسفلية، أو التشويهات الجسدية المتعمدة، كالسمنة المفرطة، أو التأتأة، أو التعثر في السير دون سبب، لكن مسلسل جوليا ابتعد عن هذا النوع من الكوميدية عبر دراسة محورية عميقة لشخصيات العمل، ويبدو واضحاً أن هناك تفاهماً بين كاتب العمل، ومخرجه في تجسيد دور كل شخصية بعيداً عن ما ذكرناه سابقاً.
تتمحور فكرة العمل حول جوليا تلك الفتاة الشغوفة بحب التمثيل، وتقديم أدوار متنوعة، ومن ثم الدخول إلى أعماق كل شخصية تقوم بأدائها، ومن ثم تنقلها إلى تفاصيل حياتها اليومية بطريقة (لايت كوميدي) حيث قامت الممثلة ماغي بوغصن بتجسيدها بأسلوب رائع كان سبباً في إضفاء نكهة كوميدية على مفاصل العمل بعد أن جسدت الأدوار من خلال إتقانها الكركترات المتنوّعة في كل حلقة، فكانت تقوم بأداء دورها بخفّة ودلع جميلين رائعين في شكلها وحركاتها التي كانت قريبة من قلب المتابعين، ليس فقط على صعيد المظهر الخارجي لها كممثلة تمتلك حضوراً كبيراً، إنما أيضاً من جهة اختلاف نبرات صوتها المختلفة، وطريقة التحدّث في كل شخصية.
وبعيداً عن النكهة الكوميدية التي نجحت جوليا في تقديمها، فالممثل قيس الشيخ نجيب نجح في تقديم شخصية الشاب الرومانسي في قالبٍ من الفُكاهة المفعمة بالرومانسية، وإن كانت هذه الأعمال بعيدة عنه، غير أنه نجح في إيصال نفسه للمتلقي بطريقة جديدة تلك التي عرفناها عنه في أعماله الكثيرة.
بشكل عام شخصيات العمل كانت لطيفة الحضور بعيدة عن الثقل الدرامي الذي بات يشكل عبئاً ثقيلاً تمجه النفوس في كثير من الأعمال الدرامية، وهذا يعود لبراعة الكاتب في رسم شخصيات مسلسله، وقدرة المخرج على نقلها بنجاح عبر الاختيار الصحيح والسليم لها، ومن ثم البحث عن إخراج مكامن كل شخصية على حدة، وإدارة مقدراتها بدقة، وهذا ما ساهم في رفع أسهم العمل وكثرة مشاهديه، وحصوله على صك براءة من رتابة الأعمال الكوميدية التي تستجدي الضحكة من المتابع بطريقة لا ترقى لمستوى تفكيره.
أخيراً يمكن الوصول لنتيجة أخيرة بأنّ مسلسل جوليا هو من الأعمال المُميّزة في السباق الرمضاني الأخير، وسبق للكاتب طه أن قدم قبل فترة قصيرة مسلسله (حبة كارميل) وهو عمل حقق حضوراً كبيراً من المشاهدة.
مهند الحسني