بعد صدور ديوانها “حلم” رمـــــاح جوبـــــان.. طاقـــــة إبداعيـــــة تَعــــِدُ بالكثيــــــر
تتابع دار دلمون احتفاءها بالكتاب الصادر عنها عبر حفلات التوقيع التي تقيمها في أماكن متعددة، كان آخرها حفل توقيع ديوان “حلم” للشاعرة رماح جوبان في المركز الثقافي في أبو رمانة، وقد عبَّرت الشاعرة جوبان عن سعادتها بولادة ديوانها الشعري الأول بعد عدة مطبات مر بها، وقد أبصر النور بفضل صاحبة دار دلمون السيدة عفراء هدبا التي أكدت أن الدار تمد يدها للشباب وترحب بكل نص جيد يشكل إضافة حقيقية للحياة الثقافية السورية.
الخطوة الأولى
وبيّنت جوبان أن هذا الديوان لم يتسع لكل ما تريد التعبير عنه كشاعرة، وهي اليوم تحضِّر لديوان جديد قادم سيكون مختلفاً عما تم طرحه في ديوان “حلم” الذي هو الخطوة الأولى في مشوارها الشعري والذي تحضِّر له منذ سنة ونصف.. ولأن الشعر هو الذي يختار الشاعر كانت جوبان تكتب وتدوّن ما كان يتردد في عقلها وتسمعه بأذنها، ونوهت إلى أنها لم تختَر الشعر النبطي عن سابق إصرار وترصّد وإنما هو فرضَ نفسه للتعبير عما كانت تريد قوله، واعترفت أن هذا النوع من الشعر يحتاج لابن بيئته –البادية العربية- حتى يُكتَب بشكل جيد، إلا أنها -وهي ابنة المدينة- استطاعت أن تكتب هذا الشعر لأنها قارئة جيدة جداً له وللشعر الجاهلي، كما أن عملها في الطائف بمهرجان سوق عكاظ الذي يحكي عن الشعر وشعراء المعلقات ساعدها كثيراً في إتقان كتابتها لهذا النوع من الشعر الذي بتنا نسمعه من خلال الأغاني التي يغنّيها أهم مطربي العالم العربي، إضافة إلى عدم صعوبة ما يسمى بالشعر النبطي المدني الذي تكتبه وهو الخليط ما بين اللغة العربية الفصيحة واللهجة النبطية البسيطة.
طريقة خاصة
وأوضحت جوبان في مقدمة الديوان أن الشعر النبطي فنّ من الفنون الشعبية الفلكلورية، وسُمي بالنبطي نسبة للأنباط وهم أحد الأقوام التي عاشت في شبه الجزيرة العربية في الفترة ما بين القرنين الثاني والرابع الهجريين، أي ما يقابله من الثامن إلى العاشر الميلاديين، وأول من قال الشعر النبطي هو الأمير الفارس أبو زيد الهلالي، وأول ذِكر للشعر النبطي باللهجة الدارجة في القرن الرابع عشر كان عبر الشاعر العراقي صفي الدين الحلي، وقد تحدث أيضاً ابن خلدون في مقدمته عن الشعر النبطي فقال: “إذا كان الشعر البدوي مستقيماً ومحتفظاً بأوزانه فلا قيمة لحركات النحاة لأن الكلام يُعرف بالقرائن ولا عبرة في الرفع والنص”.. إلا أنه لم يذكره باسم النبطي تبعاً لتعدد واختلاف التسميات، ففي المغرب يسمى بالأصمعيات، وفي بادية الشام يسمى بالبدوي، وفي مصر يسمى الموال والأهازيج، وفي الأندلس الأزجال والموشحات، وفي الخليج العربي وأهل نجد سمي بالقصيد والهيجنة، ويعرفون البيت إذا كان موزوناً أم لا بالهيجنة، فإذا غنّوا بهذه الطريقة ولم يستقم فهو غير موزون، وإن استقام فهو موزون، وهذا النوع من الشعر يتميز بطريقة خاصة في الإلقاء تعتمد على التفاعل بين الشاعر والمتلقي الذي رأى في عمومية ألفاظه متنفساً للتذوق بديلاً عن جزالة ألفاظ شعر الفصحى وصعوبة معانيه، فهو لم ينشأ لمحاربة الفصحى أو مزاحمتها، بل سار جنباً إلى جنب معها واتخذ إحدى طرقها وأساليبها مرجعاً له، إلا أنه لم يعتمد قواعد النحو كما في الشعر الفصيح.. ورغم خروج الشعر النبطي في شكله العام عن قواعد النحو إلا أنه لم يخرج كلية أو يخلع جلده تماماً، فهناك أبيات تُقرأ كما لو أنها فصيحة تماماً تبعاً لقسميه النبطي الحضري الذي تختلط فيه الفصحى مع العامية والنبطي البدوي الذي بقي متمسكاً باللهجة والمفردات وعلى خلاف اختلاف الشعر النبطي بعامية مفرداته عن الفصيح إلا أنه يلتقي معه بالبحور والأصول، فنجد في الشعر النبطي بحوراً أصلية وبحوراً مشتقة ومبتكرة.
قصائد إنسانية
في البداية بيّن الشاعر الزجلي فاضل درعاوي أن الشعر يوثق التاريخ، وأن بيت الشعر المُعَمَّر بوجدان يجب أن يصل صداه للريح، ونوه إلى أن هناك أنواعاً متعددة للشعر (الزجل-الفصيح-النبطي-المحكي) وأن ديوان “حلم” ينتمي للشعر النبطي المعروف بالبادية العربية، وما يُحسب للشاعرة جوبان برأيه أنها من الشاعرات القليلات اللواتي يكتبن الشعر النبطي وقد تميزت به وهو معجب بديوانها لأنه يضم قصائد مليئة بالحياة الإنسانية، وأن ما ساعد جوبان برأيه على إجادتها كتابة هذا النوع من الشعر ثقافتها وإطّلاعها على عالم الشعر، وأشار في الوقت ذاته إلى أن الشعر بحدِّ ذاته مشاعر وأحاسيس، فكما يحس الشاعر يبدع، ويؤكد أن في داخل كل إنسان شاعر، لكن كل شخص يعبّر عما يحس به بطريقته وأسلوبه.
طاقة إبداعية واعدة
وأشار الإعلامي نضال قوشحة في كلمة كتبها وألقاها الإعلامي محمد سمير طحان بالنيابة عنه لسفره خارج دمشق إلى أنه في زمن يعصف بالمتغير والداهم والمفاجئ، تطل علينا موهبة دمشقية تحمل في شعرها جوانب الشعر العربي الأصيل الجميل مترامي الأطراف من بادية الشام إلى العراق ثم صحارى العرب في الجزيرة العربية، وبيّن أن من يعرف جوبان سيعي أنه أمام مساحة للدهشة، فهي تحيل المتعرف لموانئ الشعر حيناً والرسم حيناً آخر والسينما في حيز زمني ثالث تجعلك فضاءات الإبداع عندها مرهوناً بالكثير من الاندهاش والترقب، ثم السفر معها على متون أمواج بعيدة المرافئ والرسو في ديوانها الأول “حلم” تجعلنا في أتون الشعر النبطي السلس الرشيق والجميل لتصنع في بحر الشعر أول أسفارها.. وأكد قوشحة أن جوبان طاقة أنثوية إبداعية سورية تعد بالكثير.
وقد قرأت الشاعرة رماح جوبان في الحفل عدةَ قصائد منها: الكاملة-الشام-الغلا.
أمينة عباس