تفاقم الاحتكارات يهدد قطاع التجارة الداخلية اقتراح دراسة إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام الاقتصادي لممارسة نشاطها وفق أسلوب نظيره الخاص
تربعت مسألة تفاقم الاحتكارات التي يستفيد منها عدد معين من تجار التجزئة، والاستمرار بنفس سياسة الدعم المتبعة حالياً للمواد الغذائية وبعض المشتقات النفطية الذي يعد مخالفاً لمفهوم الدعم ويشكل هدراً لموارد الدولة كونه يذهب لكافة أفراد المجتمع “الأغنياء” و”الفقراء” وليس موجهاً لمن بحاجة إليه، على قائمة التهديدات المحيطة بقطاع التجارة الداخلية الواردة ضمن سياق تقرير لجنة القطاع المالي لدى الهيئة العليا للبحث العلمي، ومن التهديدات الواردة في التقرير أيضاً عدم وضوح مفهوم الأمن الغذائي وعدم وجود خطة لتحقيقه، ومواسم الجفاف التي تصيب المنطقة والتي تؤثر على حجم المنتجات الزراعية المنتجة وخاصة الحبوب، ما يؤدي إلى الاضطرار إلى الاستيراد من الخارج لتعويض النقص، ما حدا اللجنة على وضع مقترحات تطويرية علمية لقطاع التجارة الداخلية على المدى القصير، والمتوسط، والبعيد.
فعلى المدى القصير تم اقتراح دراسة وضع آلية لتنظيم تجارة المفرق “الفوترة النظامية” بهدف تفعيل الرقابة التموينية، ودراسة أثر الأزمة الحالية على المستوى المعيشي للأفراد، وأثرها على الأمن الغذائي في سورية، وكذلك أثر التدخل الإيجابي لمؤسسات التجارة الداخلية في السوق ومدى فعاليتها، وسياسات التسعير الحالية وأثرها على ضبط الأسواق.
إعادة النظر
وتم الاقتراح على المتوسط إعادة النظر بالقانون المتخصص بالاحتكار، وتحليل وتطوير حلقات التجارة الداخلية “إنتاج، جملة، نصف جملة، مفرق” وأثرها على الأسعار، إضافة إلى تطوير هيكلية القطاع العام التجاري وعلاقته بالإصلاح الإداري، وتقييم الوضع الاقتصادي والمالي والإداري للمؤسسات والشركات التابعة للوزارة التجارة الداخلية، وأثر سياسة دمج وحل المؤسسات والشركات على أداء هذه المؤسسات والشركات، ودور القطاع التجاري في دعم الأمن الغذائي ووضع آليات لحماية المستهلك.
وعلى المدى البعيد فقد تم اقتراح دراسة إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام الاقتصادي وتوفير البيئة القانونية والمالية لممارسة نشاطها بحرية في السوق وفق أسلوب القطاع الخاص، ودراسة سياسات الدعم المتبعة حالياً ومدى وصول الدعم لمستحقيه، ودراسة الأنظمة الداخلية الحالية للمؤسسات والشركات العامة ومدى ملاءمتها لقيام بمهامها، وأيضاً سياسات تسويق المحاصيل الاستراتيجية في سورية وأثرها على أسعار هذه المحاصيل ومدى توفرها، وبحث حول السياسة العامة للأسعار ودورها في تطوير العملية الإنتاجية وحماية المستهلك.
رؤية
في المقابل لم يغفل التقرير رؤية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول الاستراتيجية التنموية المقترحة من قبل الأخيرة، والمتمحورة حول زيادة مساهمة قطاع التجارة الداخلية في تنمية القطاعات الإنتاجية والخدمية، وزيادة عدد فرص العمل، وتلبية احتياجات السوق المحلية من المنتجات المختلفة سواء المحلية أم المستوردة، وتحقيق الأمن الغذائي في إطار من المنافسة العادلة، إضافة إلى الأهداف العامة الرامية إلى زيادة مساهمة قطاع التجارة الداخلية في الناتج المحلي الإجمالي، وتلبية احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات وفقاً للمواصفات السورية والدولية وبأسعار تنافسية، وتشجيع الاستثمارات الوطنية الخاصة للعمل في هذا القطاع، وخاصة في إنشاء شركات جديدة لتجارة التجزئة “المفرق” أو بالشراكة مع شركات عالمية ذات خبرة في هذا المجال، وتأهيل وتدريب القوى العاملة بما يتناسب مع العمل وفق الأشكال الجديدة للتجارة الداخلية، والعمل على الحد من الممارسات الضارة بالتجارة الداخلية “الغش، الإغراق، الاحتكار”.
سياسات
وعرض التقرير سياسات الوزارة في هذا الخصوص، وعلى عدة محاور، منها العمل على تسهيل العمل التجاري والإجراءات والطرق المتبعة وتحديثها، وتصنيف أنشطة التجارة الداخلية، وإجراء المسوحات المختلفة لتأمين قاعدة بيانات عن القطاع وذلك عن طريق المكتب المركزي للإحصاء، وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على زيادة مستوى الوعي الاستهلاكي لدى المواطنين من خلال تعريفهم بكيفية التحقق من جودة السلع وصلاحيتها ومدى مطابقتها للمواصفات، وتأمين مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الأساسية الاستراتيجية تحسباً لأي ظروف طارئة.
تحليل
وفي معرض تحليله لواقع قطاع التجارة الداخلية أورد التقرير جملة من نقاط الضعف التي يعاني منها هذا القطاع، كسوء توزيع وتنظيم مواقع تجارة المفرق، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم، وتدني مستوى الأجور نسبة إلى المستوى العام للأسعار، وعدم القدرة على احتواء التضخم، والنقص في الموارد البشرية المتخصصة في بعض مجالات عمل الوزارة والجهات التابعة لها، حيث شكل عدد العاملين من حملة الشهادة الإعدادية وما دون نسبة 55 % من عدد العاملين، ولا يشكل عدد العاملين من حملة الماجستير والدكتوراه سوى 0,13% من إجمالي عدد العاملين وذلك في نهاية عام 2012، إضافة إلى عدم وجود معايير علمية وموضوعية في إسناد الوظائف ومراكز العمل للعاملين في الوزارة، وكذلك عدم وجود برامج تدريبية متخصصة للعاملين في الوزارة والجهات التابعة لها، وضعف التنسيق بين المديريات في الإدارة المركزية للوزارة وكذلك بين المؤسسات والشركات التابعة لها؛ مما أوجد نوعاً من الازدواجية في العمل وبالتالي هدر الوقت والجهد، إلى جانب حساسية المواد والسلع الغذائية التي تتعامل بها الوزارة والمؤسسات التابعة لها وضرورة العمل على تأمينها، وعدم إدخال تكنولوجيا المعلومات في جميع مفاصل العمل في الوزارة والجهات التابعة لها، وضعف الأداء الرقابي على الأسعار وضعف الإمكانات المتاحة للمؤسسات الحكومية.
إلا أن ذلك لا يعني انتفاء ما يتمتع به هذا القطاع من نقاط قوة، أبرزها دعم الحكومة للوزارة والمؤسسات التابعة لها كون عملها مرتبطاً بتأمين المواد الغذائية الأساسية، والعمالة الوفيرة والمنخفضة التكلفة نسبياً، إضافة إلى تراكم الخبرات لدى بعض موظفي الوزارة والجهات التابعة لها في مجال العمل، بالتوازي مع وجود مجموعة من القوانين والأنظمة التي تشمل كافة أعمال الوزارة والجهات التابعة لها، ووجود خطة عمليات للعمل في الظروف الخاصة ساهمت في التخفيف من آثار الأزمة “المخازين الاستراتيجية لبعض المواد”، وأهم نقاط القوة خلال الأزمة وما بعدها أن يكون هناك وجود حقيقي للتجارة الحكومية “جملة وتجزئة”، وقد أثبتت الوقائع أن مؤسسات التجارة الداخلية الحكومية كان لها دور هام في توفير المواد والسلع في السوق وفي الحد من الاحتكار والاستغلال.
يضاف إلى ما سبق وجود عدد من الفرص أمام هذا القطاع أبرزها تبني الحكومة للتخطيط الإقليمي ووضع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، والاستفادة من علاقات سورية التجارية مع الدول الصديقة في توفير المواد الغذائية الضرورية وخاصة دول الشرق “روسيا، الصين، إيران”، ووضع خطط تدريب لكافة العاملين في الوزارة والجهات التابعة لها وفق الاختصاصات، والسعي لتعديل القوانين الناظمة لعمل الوزارة وخاصة فيما يتعلق بضبط الأسواق، والعمل على أتمتة أعمال الوزارة والجهات التابعة لها لتكون جزءاً من الحكومة الإلكترونية، وكذلك العمل على إعادة النظر بأنظمة الدعم الاستهلاكي والتمويني.
حسن النابلسي