هيلين توماس والعداء للسامية !!
د. صابر فلحوط
أحسنت قناة الميادين الفضائية، كعادتها في تقديم حلقات حول النضال المهني للسيدة هيلين توماس عميدة الصحافة في البيت الأبيض الأمريكي طوال خمسين عاماً.
لقد عملت الصحفية توماس مع عشرة رؤساء أمريكيين من جون كندي في أول الستينيات من القرن الماضي حتى باراك أوباما في أواخر العُشر الأول من القرن الحالي.
وتؤكد السيدة توماس من خلال سجل حياتها المهنية كما تشير قناة الميادين أن الرؤساء الأمريكيين جميعاً ليس لهم صديق في الشرق الأوسط رغم المعاهدات والزيارات وإعلان التحالفات سوى الكيان الصهيوني طوال نصف قرن من وجودها في مركز القرار الأمريكي كعميدة للصحفيين!!
وقد زارت توماس الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد العام /1948/ عدة مرات وشهدت، كما تقول، حجم الكارثة التي لا مثيل لها على سطح هذا الكوكب والتي ضربت الشعب الفلسطيني في البشر والشجر والحجر وشردته في أربع جهات الأرض لتحل بدلاً عنه مستوطنين أحضروا من عشرات الأقطار الأوروبية والأمريكية وسواها في عملية استعمار استيطاني لا نظير لها إلا في جنوب أفريقيا سابقاً.
وبالنظر لتعاطف توماس مع أعدل قضية في الكون وإزعاجها الدائم للرؤساء الأمريكيين بأسئلتها الصحفية المهنية حول موقف أمريكا من ظلم الفلسطينين وعدائها الدائم لهم فقد وضعت في دائرة الاستهداف من جانب اللوبي الصهيوني وخلاياه في البيت الأبيض.
حتى كان هناك احتفال لمناسبة يهودية في البيت الأبيض وقد سألها كما تقول عبر الميادين حاخام يهودي عن رأيها في الاحتفال لتجيب:
(ليعد كل إلى بلده)!! وقد كان هذا الجواب صاعقاً (للحاخام) فصدرت التعليمات من البيت الأبيض بإقالتها بعد نصف قرن من العمل، وبلوغها التسعين من عمرها.
وهنا وللأمانة التاريخية لا بد من ذكر الموقف التالي للسيدة توماس في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وبعد القمة السورية الأمريكية في جنيف، وخلال المؤتمر الصحفي للسيدين الرئيسين القائد الخالد حافظ وبيل كلنتون، عندما جاء دوري في السؤال بحكم المهنية (صحفي ومدير عام سانا) سألت الرئيس الأمريكي كلنتون: كيف يمكن لأمريكا أن تكون وسيطاً نزيهاً بين العرب والكيان الصهيوني في الوقت الذي تقدمون فيه (لإسرائيل) المال والسلاح والدعم الدبلوماسي غير المحدود ولا تقدمون للعرب إلا الكلام والإعلام الملغوم فأجاب الرئيس كلنتون- كما يذكر جميع من كان حاضراً في المؤتمر- جواباً بعيداً عن السؤال وبشكل غائم وملتبس.
وعندما جاء دور توماس بالسؤال قالت وبصوت عالٍ ومشاكس: السيد الرئيس كلنتون أنا لن أطرح سؤالي قبل أن تجيب عن سؤال زميلي السوري الذي سبقني بشكل صريح ومقنع.
وأذكر أن الرئيس الأمريكي تجنب الإحراج ولم يعلق على اعتراضها وانتقل الى سؤال آخر!!.
وطوال حياتها المهنية في البيت الأبيض كانت تتصيد الرؤساء الأمريكيين بأسئلة غاية في الإحراج مثل سؤالها للرئيس بوش: (ماذا تقول للأم التي قتل ابنها في أفغانستان )! وكيف تواجه الحقيقة بعد حربكم على العراق وعدم وجود الكيماوي فيه، وتسببكم بقوافل التوابيت من جثامين الجنود الأمريكيين!!.. وكيف توقعون على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتدعمون في الوقت نفسه السلاح النووي ومفاعله في إسرائيل؟!.
لقد أقيلت توماس من البيت الأبيض لأنها لم تتخل عن الكلمة الحقيقية بشجاعة ترفع لها القبعة احتراماً لتنضم الى قافلة شهداء الحرف، كما لشهداء السيف في زمن المتاجرة بالإعلام وحرية الكلمة.
ألم يسبقها في موقفها الساطع هذا الى جانب الحق الفلسطيني الفيلسوف الفرنسي الشهير روجيه غارودي والذي زرع الشك في ضمائر الفرنسيين حول يقينهم الأعمى بالهولوكوست وأفران الغاز النازية والملايين الستة من اليهود، عندما قال:(أليس من المنطق السليم أن نمارس البحث والتدقيق بالعدد الصحيح لملايين اليهود الذين قتلتهم النازية، فربما كان العدد أكثر أو أقل)!!.
عندها تفجرت براكين معاداة السامية ضده وأحرقت كتبه وقدم للمحاكمة وغادر الدنيا الى دار الخلود محروقاً من بركان العنصرية الصهيونية؟!
كل هذه الصور تشهدها الساحة السياسية الثقافية والإعلامية الدولية في عصر مليارات الدولارات من مال الشعب العربي في السعودية، والتي يغدقها طويل العمر على أمريكا رغم اعتبارها له بقرة حلوباً بعدما يجف ضرعها يقطع رأسها وترمى في غياهب الربع الخالي…