السفر إلى المحافظات.. تكاليف نقل عالية.. خدمات دون المستوى.. ورقابة غير مبالية!
منذ أن أنهى كمال إجازته التي قضاها في محافظة اللاذقية بداية موسم الصيف الحالي، أصبح ذلك الشاب الثلاثيني، والموظف في إحدى شركات القطاع الخاص، يتردد كثيراً عند التفكير أو التخطيط مجدداً لأية رحلة أخرى يمكن أن يقوم بها كنوع من السياحة الداخلية، ويضع في حساباته مجموعة اعتبارات مختلفة استخلصها من إجازته الأخيرة، وأهمها تلك المتعلقة بتدني جودة الخدمات في شركات ووسائط النقل المتوفرة بين المحافظات، وغياب التنظيم والرقابة عنها، والأجور المرتفعة التي تتقاضاها، إضافة إلى المزاجية في تسيير الرحلات، ناهيك عن التكاليف الأخرى التي تطلبها الرحلة، وأسعار الفنادق، والشاليهات، والمطاعم التي لا تقل لهيباً عن درجات الحرارة المرتفعة في مثل هذه الأشهر من العام، ولا تتناسب إطلاقاً مع إمكانيات أصحاب الدخل المحدود حتى مع الميسورين منهم نظرياً، أو موظفي القطاع الخاص، ورغم أن عودة عامل الأمان والاستقرار لمعظم المدن السورية كان يفترض بها أن تؤدي إلى حالة نشاط سياحي أكثر ديناميكية بين المحافظات، ولكن يتبدى أن للجانب الاقتصادي، والتنظيمي، وجودة خدمات النقل ومراقبتها، الدور الأبرز لتفعيل موسم سياحي يكون نشاطاً من الحال التي يبدو عليها في الموسم الحالي.
تكاليف باهظة
يبدو أن حالة كمال الشاب الذي يشكو من تكاليف النقل المرتفعة بين المحافظات ليست الوحيدة، ومثله الكثير من الأشخاص الذين قمنا باستطلاع آرائهم، والجميع كان يتحدث عن المشكلة نفسها، خاصة بعد إعادة تأهيل الطريق الدولي في مدخل العاصمة دمشق، يقول أبو جمال، وهو أحد المشتكين الذين تحدثوا عن التكاليف المرتفعة التي تتقاضاها سيارات نقل الركاب: لماذا مازالت سيارات النقل والفانات تأخذ الأجرة نفسها رغم أن مسافة الطريق أصبحت مختصرة، وأكثر أمناً وأماناً من ذي قبل، وتمت إعادة تأهيل الطريق الدولي، “أعتقد أن الأجرة يجب إعادة النظر فيها مجدداً، وتخفيضها لتتناسب مع إمكانية المواطن، خاصة أن الكثير من الركاب في معظم الأوقات هم من أفراد الجيش والقوات المسلحة الذين يريدون التوجه لذويهم ومناطقهم بعد أوقات عصيبة قضوها على جبهات القتال، وكذلك تتحدث أم سارة عن المشكلة نفسها، حيث تقول: إن تكلفة الرحلة إلى محافظة اللاذقية بالفان ذهاباً فقط تتجاوز العشرين ألف ليرة عنها وعن أسرتها المكوّنة من زوج وطفلين، في ظل خدمات متدنية جداً، ويستذكر مسافرون آخرون الأيام الغابرة التي كانت فيها بعض شركات تتنافس في نقل الركاب، والسفر بين المحافظات، فتستعرض خدماتها، وتتبارى في كسب ود الركاب والمسافرين عبر تقديم الإعلانات المختلفة في وسائل الإعلام، وفي المقابل تقتصر خدمة أفضل شركات النقل في أيامنا هذه على ماء بارد يقدم أثناء الرحلة، ولا شيء إضافياً آخر، وتبدو حالة السيارات المخصصة لنقل الركاب سيئة جداً من ناحية الفرش، أو المقاعد المستهلكة، فتلك البولمانات والباصات تعمل منذ سنوات طويلة، ولا توجد أية منافسة بين الشركات المالكة لها في ظل شبه احتكار لنقل الركاب، وأسماء معروفة لتلك الشركات.
مشاكل الاستراحات
لا تبدو الأسعار المرتفعة لأجور النقل المشكلة الوحيدة بالنسبة للمسافرين والراغبين بقضاء إجازة صيفية في المحافظات الساحلية، فهناك مشاكل أخرى تتمثّل بوضع الاستراحات على الطرق، والأسعار المرتفعة التي تتقاضاها لقاء خدمات متواضعة جداً، وغياب الرقابة عنها مشكلة قديمة حديثة مازالت دون معالجة حتى الآن، ويتحدث عنها بعض المسافرين بالقول: إن معظم شركات النقل، وحتى ممن يمتلكون فانات خاصة، ويعملون لحسابهم الخاص، يتعاقدون مع استراحات معينة على الطريق، بحيث تكون لهم نسبة أو معاملة خاصة بالنسبة للسائقين، ويشكو المسافرون من الأسعار المرتفعة في هذه الاستراحات التي يبررها أصحابها بالقول إنها تقدم خدمة سياحية، لذا فمن الطبيعي أن تكون الأسعار مرتفعة قليلاً عن المألوف، ويتحدث أحد الأشخاص الذين خبروا هذه الاستراحات عبر سفرهم المتكرر بالقول: الاستراحة محطة مهمة بالنسبة للمسافر، حيث يجد فيها المتنفس في منتصف رحلته، ويمكن أن يتزود منها بالهدايا، والحلويات لأقاربه الذين يتوجه لزيارتهم، أو لأهله عند عودته، لذلك يجب أن يكون هناك دور رقابي عليها من الجهات المختصة، ومتابعة دائمة لتحقق الأدوار المنشودة من وجودها على طرق السفر، في المقابل هناك نواح أخرى يمكن الحديث عنها في مقاربة موضوع السياحة الداخلية، وهي الرحلات السياحية التي تنظمها بعض المكاتب، فتكون رحلة متكاملة متضمنة الإقامة، والتنقل، والغداء، ومحسوبة التكاليف، ولكن حتى هذه الرحلات تحصل فيها بعض المشاكل، والتي يعبّر عنها بعض من خبر السفر بهذه الطريقة بالقول: هناك شركات مجهولة تنتشر تفاصيل رحلاتها على وسائط التواصل الاجتماعي، لكن المستغرب أن النظري شيء، والعملي شيء آخر، حيث يفاجأ المسافرون بتكاليف إضافية يتحمّلونها لم تكن مذكورة في تفاصيل تلك الرحلة، ويدعو آخرون إلى مراقبة هذه الرحلات، وجعلها أكثر انضباطاً، ومراقبتها من الجهات والوزارات المعنية.
دون ضبوط أو مخالفات
الملفت أن التواصل مع الجهات المعنية للحديث عن موضوع مراقبة الأسعار المتعلقة بخطوط النقل والاستراحات لم يعد بنتيجة ذات فائدة كبيرة، حيث لم يتم تزويدنا بأية أرقام أو ضبوط مسجلة ذات صلة من قبل مديرية حماية المستهلك، رغم تأكيد مدير مديرية حماية المستهلك حسام نصر الله في المقابل بأنه يتم توجيه جهاز حماية المستهلك لتشديد الرقابة على وسائط نقل الركاب، والأجور التي تتقاضاها، ويتم اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين، وأوضح نصر الله بأن الوزارة حالياً بصدد إعادة نشر نشرة ملزمة بالأسعار للشركات التي تقل الأفراد والبضائع بين المحافظات، وذلك بالتنسيق مع المكاتب التنفيذية في المحافظات.
وفيما يتعلق بموضوع الاستراحات المنتشرة بيّن نصر الله بأن الوزارة تقوم بشكل مستمر بتوجيه مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات لتكليف الدوريات الرقابية بتشديد الرقابة على الاستراحات المنتشرة بين المحافظات والمقاهي لضبط أسعارها، والإعلان عنها، والتقيد بها، ومراقبتها من ناحية الخدمات المقدمة من قبلها منعاً لعمليات الغش والتلاعب، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين، وسحب العينات منها لتحليلها، والتأكد من سلامتها، وصلاحيتها، ومطابقتها للمواصفات، وتعامل معاملة بقية الفعاليات التجارية الأخرى رقابياً في حال لم تكن مصنفة سياحياً، ويتم التنسيق مع وزارة السياحة لتسيير دوريات مشتركة لضبط المخالفات في حال كانت مصنفة سياحياً.
محمد محمود