“الناتو” يخضع لضغوط ترامب وأوروبا تتعهّد بزيادة نفقاتها الدفاعية
شيئاً فشيئاً تتضح طبيعة السياسة الخارجية التي يعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى مع حلفائه المقرّبين، حيث ينظر إلى حلفائه الأوروبيين بالطريقة ذاتها التي ينظر فيها إلى ممالك الخليج ومشيخاته، فإما أن تكون هذه الدول بقرة حلوباً تدرّ عليه الذهب وإما أن يتخلى عن حمايتها. فقد شنّ ترامب هجوماً شديداً على ألمانيا متهماً إياها بعدم المساهمة بشكل كافٍ في جهود الحلف العسكرية، قائلاً: “إن دولاً عدة في الحلف ندافع عنها لا تكتفي بعدم الوفاء بتعهد الـ2 بالمئة بل تقصّر منذ أعوام في تحمّل نفقات لا تسددها”.
وحسب مسؤولين فإن ترامب أبلغ قادة الحلف في بروكسل أنه يطلب من سائر الدول النسبة نفسها التي تنفقها الولايات المتحدة في ميزانية الحلف، وركز في هجومه على ألمانيا التي اتهمها بأنها أسيرة لروسيا بسبب اعتمادها عليها في الحصول على إمدادات الطاقة.
وردّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الفور بقولها: إن لبلادها قراراتها المستقلة وسياساتها الخاصة، في حين قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس للصحفيين على هامش القمة: لسنا أسرى لروسيا ولا للولايات المتحدة، في وقت قالت أورسولا فون دير ليين وزيرة الدفاع الألمانية: إن ألمانيا ليست أسيرة السياسة الروسية، مضيفة: لدينا دون شك العديد من المشكلات مع روسيا ولكن يجب دائماً الإبقاء على خط اتصال بين الدول أو التحالفات وخصومها.
وإلى جانب ألمانيا جاءت ردود أفعال الأعضاء غاضبة ومنددة بتصريحات ترامب الابتزازية، حيث انتقد وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسيلبورن اقتراح ترامب بزيادة نسبة الإنفاق الدفاعي إلى 4 بالمئة، قائلاً: إن هذه المقاربة الحسابية لترامب عبثية.
واعتبر رئيس رومانيا رومين راديف أن حلف الأطلسي ليس سوقاً يتيح شراء الأمن، بينما دعا رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك الرئيس الأمريكي إلى الكف عن توجيه الانتقادات لحلفائه الأطلسيين، وقال: “عزيزتي أميركا قدّري حلفاءك فليس لك الكثير منهم في نهاية المطاف، لن يكون لأميركا حليف أفضل من أوروبا”.
ورغم كل هذه السقوف العالية التي أبداها المسؤولون الأوروبيون في ردودهم على ترامب، إلا أن كل ذلك سقط بقول ترامب في نهاية القمة: إن الدول الأعضاء في الناتو تعهّدت برفع نفقاتها الدفاعية بشكل “غير مسبوق”، مضيفاً خلال مؤتمر صحفي في ختام قمة الحلف في بروكسل أمس: “حققنا تقدماً ملموساً. الجميع اتفقوا على زيادة حجم اشتراكاتهم إلى مستويات ما كانت لتخطر ببال أحد سابقاً”، وتابع: إن دول الحلف رفعت خلال السنة الماضية إنفاقها العسكري بمقدار 33 مليون دولار.
وطالب ترامب شركاءه في الناتو مراراً بزيادة نفقاتهم على الدفاع المشترك، معبّراً عن استيائه إزاء تحمل بلاده الحصة الكبرى من أعباء تمويل الحلف.
وفي قمة الناتو في أيلول عام 2014 قطع زعماء دول الحلف على أنفسهم تعهداً بالمضي نحو زيادة النفقات الدفاعية بواقع 2% من إجمالي الناتج المحلي في غضون 10 سنوات. وحتى الآن لم ينفق على الأغراض الدفاعية أكثر من 2% سوى ثمانية من أعضاء الحلف الـ29، في حين تبلغ الميزانية العسكرية في الولايات المتحدة نحو 3,58% من إجمالي ناتجها المحلي.
وقد وافق الشركاء الأوروبيون على مطالب ترامب، مع أن وعودهم تبدو “مؤجلة” أو “مبهمة ومنقوصة” نوعاً ما، إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده سترفع إنفاقها العسكري ليصل إلى 2% من الناتج المحلي بحلول عام 2024، أي بعد 5 سنوات، مضيفاً: إن هذا المؤشر سيبلغ 1,8% خلال العام الحالي.
مع ذلك، قال ماكرون: إنه لا يعتبر اقتراح ترامب زيادة النفقات العسكرية لكل دول الناتو إلى مستوى 4%، “فكرة جيدة”.
بدورها، أكدت ميركل أن على بلادها “عمل المزيد” فيما يتعلق بالإنفاق العسكري، مضيفة: إن برلين تسير في هذا الطريق، وإن ذلك “يتوافق مع مصالحنا الذاتية”، وأشارت إلى أن قمة بروكسل شهدت “مناقشة حادة جداً” بخصوص النفقات العسكرية بعد “مطالبة ترامب بتقاسمها على نحو أكثر عدلاً”، إلا أن “الجميع أكدوا التزامهم الواضح بحلف الناتو”.
مع ذلك، أفادت وكالة “د ب أ” الألمانية، بأن ميركل رفضت التعهد برفع الإنفاق العسكري بالقدر الذي تطالب به واشنطن، حيث تخطط الحكومة الألمانية إلى زيادتها لتبلغ 1,5% فقط بحلول عام 2024.
من جهة ثانية، جدّدت وزارة الخارجية الروسية أمس، موقفها المعارض لتوسيع حلف الناتو، وهذه المرة عبر خطوات ترمي إلى تسريع عملية انضمام مقدونيا إلى صفوف الحلف.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا: إن توسيع الناتو يقود إلى تعميق خطوط التقسيم في القارة الأوروبية، مضيفة: إن الجهود التي تبذل لجر مقدونيا إلى حلف شمال الأطلسي تدل على أن “سياسة الانفتاح تحوّلت إلى أداة للسيطرة على المجال الجيوسياسي”.
وفي تعليقها على القمة، أكدت زاخاروفا عزم موسكو على تحليل نتائجها من زاوية تأثيرها المحتمل في الأمن الأوروبي، لافتة إلى أن البيانات الصادرة عن الحلف تدل على أن الأخير ما زال غير مهتم بتحديد موضوعيّ للأسباب الحقيقية لتدهور الوضع الأمني في المنطقة الأوروبية الأطلسية، بل “يفضل النظر إلى العالم عبر منظار الحرب الباردة”.
وأشارت إلى أن الحلف الذي يتهم روسيا بالتصعيد على الساحة الأوروبية الأطلسية، “يستغل ذلك كذريعة لتعزيز نشاطه العسكري حتى في المناطق الآمنة سابقاً من البلطيق وشمال أوروبا”، وتابعت: “الناتو يشير إلى عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتهديدات الآتية من هناك، كما أنه يعرب عن قلقه إزاء تنامي الإرهاب الدولي، ويبدو كأنه لا يفهم أن كل هذا نتيجة مباشرة لمغامرات عسكرية أقدمت عليها دول الحلف”، وأكدت أن الهدف الحقيقي من عودة الناتو إلى سياسة “ردع” روسيا سياسياً وعسكرياً، هو “تحقيق تفوق عسكري” عليها، وختمت بالقول: إن أي محاولات لإقامة أسوار في عالم اليوم، وهو عالم متعدد الأقطاب، محكوم عليها بالفشل، علماً أن دولاً منفردة بل حتى مجموعات من الدول، غير قادرة على مواجهة تهديدات عابرة للقارات.