بعد المونديال.. كرواتيا وبلجيكا تكتبان نهاية سيطرة المنتخبات الكبيرة بانتظار قادم البطولات
“إنه أفضل مونديال في التاريخ”، بهذه العبارة اختصر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني انفانتينو كل ما حمله المونديال الروسي خلال الثلاثين يوماً الماضية، فالمتعة التي حملتها البطولة كانت استثنائية، ولم يسبق لها مثيل مع حضور المفاجآت التي ستبقى عالقة في الأذهان لسنوات.
وإذا كان انتهاء عصر الامبراطوريات الكروية الكبيرة إحدى أهم نتائج المونديال الروسي، فإن بزوغ نجم منتخبات جديدة، واستعادة بعضها الآخر لمكانتها كان مؤشراً على إمكانية التخلص من النمطية الكروية التي سادت خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ولعل بلوغ كرواتيا وبلجيكا وانكلترا للمربع الذهبي بعد غياب طويل هو أبلغ رد على من تحيز لصف المنتخبات الكبيرة، ورشّحها للظفر باللقب.
المنتخبات الثلاثة سابقة الذكر برفقة المنتخب الفرنسي كانت العمود الفقري للأدوار النهائية، لكنها لم تتشابه من ناحية الأداء والتخطيط الكروي.
بداية أم نهاية؟
مع كمية التعاطف الكبير الذي حصده المنتخب الكرواتي لأسباب عديدة، وتمثيله لطموح المنتخبات المغمورة، بات السؤال الأكثر إلحاحاً: هل الإنجاز الذي حققه لاعبو المدرب زلاتكو داليتش هو تمهيد لاستمرار النجاح، أم هو مجرد طفرة مؤقتة ستنتهي بانتهاء البطولة؟!.
بلغة المنطق الفريق الكرواتي تميز بالشجاعة والإرادة، لكن وقوف الحظ في جانبه عدة مرات أسهم فيما وصل إليه، إضافة لعامل الخبرة الذي يتمتع به لاعبوه، وبالنظر إلى معدل أعمار الفريق نجد أن معظم نجومه قد تجاوزوا الثلاثين، ورحلتهم الدولية باتت على مشارفها، فقائد الفريق لوكا مودريتش سيبلغ قريباً الثالثة والثلاثين، والهداف ماريو ماندزوكيتش في عامه الثاني والثلاثين، وراكيتيش وبيريسيتش في بداية الثلاثينات، وربما تكون الاستثناءات معدودة في هذا الجانب بوجود الجناح أنتي ريبيتش (24سنة)، والظهير الأيمن سيمي فيرساليكو (26سنة)، ولكن مع ذلك فإن التفاؤل الكرواتي باستمرار النهج الناجح مرده كثرة المواهب الموجودة، ووجود منتخبات فئات عمرية قادرة على سد النواقص ولو بعد فترة قصيرة.
بناء مستقبلي
على العكس من المنتخب الكرواتي يمكن القول بأن المنتخب الفرنسي تمكن خلال المونديال الروسي من كسب منتخب للمستقبل، فالتشكيلة التي اختارها المدرب ديدييه ديشان كانت في أغلبها من اللاعبين الشباب الذين نجحوا في أول اختبار لهم، وثبّتوا أقدامهم لقادم المناسبات، كما أن اللافت للنظر أن الديوك اعتمدوا طريقة لعب جديدة تقوم على التنظيم الدفاعي، وتأمين خط الوسط بلاعبين أصحاب نزعة دفاعية، وما ساعد على نجاح هذه الطريقة توفر المهارات العالية للخط الأمامي بقيادة النجم كيليان مبابي، والهداف أنطوان غريزمان.
وبكل تأكيد فإن الخيارات الكثيرة وكثرة النجوم قد سهلت مهمة ديشان في بلوغ الهدف المنشود، كما أن فرض الانضباط والالتزام على اللاعبين كان من أبرز نقاط التفوق، وفي استبعاد المهاجم كريم بنزيمة أكبر دليل.
لغز انكليزي
رغم أن الصحف الانكليزية هللت لبلوغ المربع الذهبي، وتحقيق إنجاز لم يتحقق منذ 28عاماً، إلا أن أغلب خبراء كرة القدم أجمعوا على أن الانكليز لم يكونوا بالجودة المنتظرة منهم، فمنذ تولي المدرب غاريث ساوثغايت لمهمة قيادة المنتخب، أوضح رغبته في تغيير طريقة اللعب الانكليزية المعتادة، وظهر ذلك جلياً مع إصراره على اللعب بثلاثي دفاعي، واستبداله للنهج المعتمد على الكرات الطويلة بنقل الكرة عبر الخطوط، والتنويع في الاختراقات، مستفيداً من توفر لاعبين قادرين على تنفيذ تعليماته.
ولكن مع توالي المباريات خلال البطولة الحالية، بدأت عيوب خطة ساوثغايت تظهر، وخاصة في اللحظات الصعبة، فاعتماده على لاعب ارتكاز واحد في وسط الملعب جعله يخسر الصراعات المهمة في لقاء كولومبيا الذي حسمته ضربات الجزاء، كما أن الضغط الكرواتي في نصف النهائي كشف هذا الخلل من خلال سهولة الوصول لمرمى بيكفورد قبل أن يتكرر السيناريو أمام بلجيكا في اللقاء الترتيبي.
الترشيحات قبل البطولة لم تصب في مصلحة رفاق الهداف هاري كين، لكن طموح الشباب والحظ الذي أبعدهم عن مواجهة أي فريق كبير قبل المربع الذهبي، حقق نصف إنجاز للانكليز يمكن أن يبنى عليه للبطولات المقبلة، مع استعادة الهيبة، وامتلاك خيارات وافرة في مختلف الخطوط.
الحصان الرابح
خالفت نسخة هذا العام التوقعات بشكل كبير، لكن المنتخب الوحيد الذي لم يخيّب الآمال كان المنتخب البلجيكي الذي رشّح للعب دور الحصان الأسود، ونجح في ذلك، بل كاد يتحول للحصان الرابح لولا بعض الظروف التي أبعدته عن خوض النهائي الأول له.
مرحلة بداية المونديال كانت مليئة بالتناقضات بالنسبة للشياطين الحمر، وخاصة مع الانتقادات التي وجهت للمدرب روبيرتو مارتينيز بعد استبعاده نجم الوسط رادجا ناينغولان، واختياره الفوز في آخر مباريات دور المجموعات التي جعلته يلعب في الجانب الصعب من الدور الثاني من المنتخبات الكبيرة، ولكن بفضل التكتيك الذي انتهجه مارتينيز استطاع تحقيق التوازن بين المهام الهجومية والدفاعية للاعبي الوسط، مع وجود لاعب قادر على لعب دورين في آن معاً في قلب الدفاع والظهير الأيسر يسمى يان فيرتونخين، كما أن النجم ايدين هازارد أثبت أنه من طينة الكبار بقيادته خط الهجوم بكل اقتدار.
المنتخب البلجيكي قبل مونديال روسيا سيكون غيره بعد المونديال لجهة الترشيحات والتصنيفات، فلن يكون تتويج بلجيكا بأحد الألقاب الكروية الكبرى أمراً مفاجئاً، بل سيكون نتيجة طبيعية لمنتخب خطط منذ سنوات للوصول إلى منصات التتويج، مع وجود هامش للتطور كون أبرز نجومه في مرحلة النضج الكروي.
مؤيد البش