في متاهات العمل التقليدي والدوران في المكان مجالس الإدارة المحلية في السويداء.. إنجازات دون الطموح.. وآمال باختيارات موضوعية
بدأت التحضيرات لانتخابات الإدارة المحلية التي غابت لسنوات طويلة..التحضيرات الحالية تصب في الخانة اللوجستية لضمان نجاح هذه الانتخابات فنياً، ولكن ما مدى الرضى العام عن المجالس الحالية؟ وهل ستأتي بنسخ مشابهة، وإن اختلفت التسميات؟ وهل استطاعت المجالس المحلية تحقيق شخصيتها الاعتبارية، أم بقيت تابعة لأجهزة أخرى؟ وهل قانون الإدارة المحلية يساهم في تحقيق هذه الشخصية، أم كان معيقاً لها؟ وبالجهة المقابلة، هل أخذ قانون الإدارة المحلية حقه في التطبيق في ظل الحرب التي رافقت ولادته، أم كانت تلك الحرب شماعة علّق عليها بعض المقصّرين أسباب تقصيرهم؟.
شماعة الأزمة
المجالس الممدد لها، كما يصفها البعض، إلى مرحلة التلاشي والخمول، ليتحول عملها إلى تقليدي وروتيني، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى نبض جديد، لا إلى الاستمرار في ترحيل المسؤوليات، يقول عضو مجلس المحافظة غازي أبو حسون: إن الأزمة كانت شماعة لدى البعض، فالمجلس يشرح ويحدد مواقع الخلل والتقصير، وأولويات العمل بناء على حاجات المواطنين، ومسؤولية المتابعة تقع على عاتق المكتب التنفيذي في غياب المجلس، وإضافة لذلك فإن الخبرة لدى معظم الأعضاء كانت أقل من المطلوب، في وقت كان فيه وعي أعضاء المجلس مناطقياً وليس جمعياً، مشيراً إلى أهمية فصل المجلس عن السلطة التنفيذية.
أما الكاتب نبيه السعدي فيختصر الكثير من العبارات والجمل بجملة واحدة، وبالنسبة له يترسّخ ويتفعّل وجود المجالس المحلية مع وجود السلطة، وفي غياب السلطة تذوب المجالس المحلية في مراجل الفساد المنتشر!.
مسبق التفصيل
حمود خير، وهو نائب محافظ سابق، بيّن أنه يجب إعادة النظر بقانون الإدارة المحلية الذي فصل تفصيلاً على مقاس المحافظين، ومكاتب أمانات المحافظات، بما تحمل من إعاقات للعمل، وفي الوقت نفسه أتت ظروف الأزمة لتأتي بمجالس ضعيفة بعيدة عن الفهم الإداري، وروح الابتكار للأقلمة الإدارية، بما تقدمه من خدمة واضحة للمواطنين، في حين كانت المسائل تعيش حالة ضياع بين فهم المجالس لطبيعة عملها، وعلاقتها مع المحافظين، وأمانات المحافظات، والعلاقة أيضاً مع الأجهزة المحلية الأخرى التي “أدارت ظهرها للاثنين معاً”، لمجالس المحافظات والمحافظين بسبب الجهل الإداري، لأن الأزمة أتت بكوادر ضعيفة، لهذا بدلاً من أن تقوم وزارة الإدارة المحلية بتحفيز الروح المعنوية، وخلق روح التعاون والعمل والإبداع لدى المجالس كونها الوزارة الوصية على عمل الجميع، ذهبت لتقوم بالعلاقة البيروقراطية، وتمارس دور وزارة مسؤولة عن الأجهزة المحلية، وبعيدة عن المجالس المحلية، بالإضافة إلى دور الوزارات الأخرى التي أعادت العلاقة مع أجهزتها في المحافظات دون التنسيق مع المجالس، والكل يدور في حلقة الفراغ في الفهم الإداري والخدمي، وكل فريق يلقي أخطاءه على الآخر، ويبقى المطلوب بالنسبة لخير وصول كوادر كفوءة ونزيهة ومنتقاة بشكل جيد ليتسنى عقد مؤتمر للإدارة المحلية يناقش آلية القانون، وعلاقة الشركاء، بما يكفل أخذ دور للمجالس، ومشاركة شعبية حقيقية في توطيد الخطط، ومتابعة العمل، ومن الطبيعي يحتاج قانون الإدارة المحلية لإعادة نظر، ولكن المهم هو الكادر الذي سوف يناقش ويساعد في أقلمة الأمور بشكل يضمن روح القانون وليس الشكل.
ضعف في الأداء
كثيرون يتفقون بأن المجالس المحلية بشكل عام، ومجلس المحافظة بشكل خاص، لم ترتق للمستوى المطلوب أو المأمول، وقد تكون هناك عوامل كثيرة ساهمت بهذا الترهل، أهمها الأمراض الاجتماعية كالعائلية، والمحسوبيات التي مازالت تسيطر على الانتخابات، وعدم نضوج تجربة الإدارة المحلية كسلطة مستقلة.
يقول المهندس أنور الحسنية، وهو عضو قيادة فرع سابق: إن مجالس الإدارة المحلية لم ترتق إلى مستوى مواجهة الأزمة لأسباب كثيرة، منها غياب المعايير والأسس لاختيار أعضاء المجالس، وخاصة الرئيس، ونائب الرئيس، وكذلك غياب علاقة التفاعل المنظم مع مؤسسات الدولة والحزب، وخاصة مجلس المحافظة، وضعف دور المجالس المحلية في نشر الوعي المجتمعي، وتأهيل المجتمع المحلي، وبناء منظومة قيم ومفاهيم حضارية، ومع ذلك كانت هناك جهود مشكورة من قبل العديد من الأعضاء والمجالس المحلية خلال الفترة الماضية، ويبقى المطلوب في الانتخابات القادمة تغليب مفاهيم التعدد والتنوع في الاختصاصات والكوادر على مفاهيم التمثيل التقليدية.
محسوبيات
كانت الأزمة بالنسبة لعضو مجلس المحافظة أيمن أبو حلا شماعة لعدم المبادرة، رافقها ضعف الإيرادات، وعدم تمويل المركز للأجهزة المحلية بالسيولة الكافية، عوامل ساهمت في ضعف الأداء، يضاف إليها أعضاء المكتب التنفيذي، حيث تم تعيين 6 أعضاء من المكاتب التنفيذية وفق المحسوبيات، وتوزيع المناطق، بشكل أضعف دور مجلس المحافظة لعدم كفاءة أعضاء المكتب، ولا يتم تقييم أعضاء المكاتب التنفيذية إلا من خلال حجب الثقة، وهنا لا يمكن بهذه الطريقة التوافق بين أعضاء مجلس المحافظة بسبب العلاقات الشخصية، والوصائية، بينما لو تمت إعادة الانتخاب كل سنتين سيبقى عضو المكتب التنفيذي متحسباً لعملية الانتخاب، ويؤدي عمله بشكل أفضل، ويختصر أبو حلا المشهد قائلاً: إنه مبني على الولاء والاستزلام لبعض القادة، وإن تعيين أعضاء المكاتب التنفيذية بشكلها الخارجي هو انتخابات، ولكن بمضمونها هو تعيين ومحسوبيات!.
مجالس هزيلة
عضو مجلس الشعب السابق المحامي وليد أبو عسلي يعتبر أن المجالس المحلية لم تعط المأمول منها، وذلك لسببين: الأول هو الثقافة العامة في المجتمع لانتخاب الأقارب وأبناء العائلة، وبالتالي الابتعاد عن الموضوعية في الاختيار، واستبعاد الشخص المناسب والأكفأ، الأمر الذي يؤدي إلى مجالس هزيلة قليلة الخبرة والاختصاص، إضافة إلى أن هذه المجالس سوف تكون محكومة بخدمة الأقارب، والمناطق، وتحت رحمتها!.. والسبب الثاني هو بقانون الإدارة المحلية الذي حصر تمويل هذه المجالس وميزانيتها من أعمالها، وجباية الرسوم المحلية لتمويل أعمالها ومشاريعها، كما أن ضعف جباية هذه الرسوم وقلتها انعكس على أدائها، علماً أن هناك مادة بالقانون ١٠٧ وهي تخصيص ٣% من الموازنة المستقلة في المحافظة لصالح المجالس المحلية، ولكنها بالتأكيد لا تكفي، فضلاً عن الظروف التي مر بها البلد، وضعف ثقافة المواطن بضرورة تسديد الرسوم المحلية، والتهرب منها لعدم ثقة المواطن بأن هذه الرسوم التي يدفعها سوف تنعكس عليه بشكل خدمات!.
مبادرات شعبية
رئيس مجلس المحافظة عصام الحسين بيّن بأنه يوجد رضى عن عمل مجلس المحافظة، وإن كان هناك تفاوت في نشاط أعضائه، حيث كان للمجلس حضوره الاجتماعي والرسمي، وأخذ دوره كمؤسسة على أكمل وجه، ومارس الرقابة الشعبية بشكل تام ومميز عبر انخراط أعضاء المجلس في كل مطارح ومفاصل العمل، وبالنسبة للواقع الخدمي للمحافظة استطاعت اللجان المشكّلة التي تضم عدداً لابأس به من أعضاء المجلس متابعة القضايا الأساسية للمواطنين، وأهمها المحروقات، والخبز بشكل يومي وفعال، وتحققت العديد من النتائج، أهمها عدالة التوزيع، وتوجيه المادة بالاتجاه الصحيح، وإن كانت هناك مصالح شخصية برزت عبر استغلال عمل اللجان، وقد تم إعفاء العديد من أعضائها، كما قام المجلس بالعديد من المبادرات الاجتماعية، والمشاركة بكافة الفعاليات الشعبية، والأهم هو نقل هموم وقضايا المواطنين من الشارع إلى قاعة المجلس، حيث تتم مناقشة هذه القضايا عبر دورات المجلس، والخروج بمقترحات وتوصيات لحل المشاكل المطروحة.
مقترحات مرفوعة
وحول مدى تجاوب وتعاون الجهات الرسمية مع مقترحات وتوصيات المجلس بيّن الحسين بأن معظم التوصيات كانت تحتاج إلى ميزانيات مالية، وهذا يصطدم مع الإمكانيات المتوفرة عند تلك الجهات، مبيّناً بأنه تم تنفيذ حوالي 50% من مقترحات وتوصيات المجلس خلال المرحلة السابقة، وهي نسبة مقبولة مقارنة مع الواقع، والأهم بالنسبة لرئيس المجلس هو حالة التعاون والاهتمام بتوصيات المجلس من قبل معظم الوزارات التي كانت ترد على تلك التوصيات بناء على إمكانياتها المتوفرة، سواء إيجاباً أو سلباً، وحول المبادرات الفردية يشير رئيس المجلس إلى أنه كان هناك نشاط من قبل بعض أعضاء المجلس لتقصي مواقع الخلل أو الفساد في بعض الدوائر الحكومية، وكانت هناك ثلاثة ملفات رئيسة تم العمل عليها وهي: المحروقات، والمياه، والآثار، حيث تم تشكيل لجان تابعت واقع العمل، وتم رفع المقترحات اللازمة للوزارات المعنية.
موازنة مستقلة
يبقى المهم في كل ذلك هو العنب الذي يأكله المواطن بعد كل معركة انتخابية يتسابق فيها المواطنون لحجز مقعد لهم في المجلس تحت شعار خدمة المواطن، وحول الخدمات التي يقدمها المجلس قال الحسين بأنه تم عبر الموازنة المستقلة تقديم خدمات هامة للمواطنين كالطرق، والصرف الصحي، والمدارس، والصحة، حيث تتجاوز هذه الموازنة مليار ليرة سنوياً.. هذا الكلام يدفعنا للحديث عن آليات الصرف، والعلاقة مع المحافظ، وفي ذلك يقول رئيس المجلس بأن الثغرة في هذه القضية أن أمر الصرف هو المحافظ، وليس رئيس المجلس، علماً بأنها موازنة مجلس محافظة، وليست موازنة مكتب تنفيذي.
طبعاً كلام الحسين قادنا إلى الثغرات التي وجدها في قانون الإدارة المحلية بعد 8 سنين من تطبيقه، حيث اقترح بأن يكون رئيس المجلس هو نفسه رئيس المكتب التنفيذي، إذ توجد هوة بين المجلس والمكتب المنتخب من قبل هذا المجلس الذي لا يعرفه إلا في أثناء انعقاد دورات المجلس، وكذلك يجب الفصل بين نائب رئيس المجلس ونائب المحافظ، والثغرة الأهم، حسب الحسين، أنه لا يحق لمجلس المحافظة محاسبة رئيس المكتب التنفيذي.
انتخابات جديدة
المتابع لدورات مجلس المحافظة، وأيضاً بعض المجالس المحلية، يجد أن الطروحات تجاوزت المألوف، سواء لجهة الروتين والتكرار، أو سقف تلك الطروحات الذي رفعه بعض الأعضاء، ونقل مطالب المواطنين الملحة، خاصة أن العديد منها يصب في خانة معالجة الترهل في الأداء، والارتقاء لمستوى الأزمة، والابتعاد عن جعل ما يمر به القطر شماعة نعلّق عليها كل شيء، في وقت أصبح فيه المواطن مدركاً لما يجب أن يطالب به، وما يجب أن يضعه في قائمة التأجيل تحت بند الأزمة، وكانت هناك محاولات جادة في نقد مسؤولين وضعوا على رؤوسهم ريشة، وصالوا وجالوا بلا حسيب أو رقيب بدعم من أجهزة معينة هنا، أو من حملة الحقائب الوزارية، أو متنفذين هناك!.
اليوم، ونحن مقبلون على انتخابات جديدة، لابد من تعزيز الوعي المجتمعي بدور المجالس المحلية، وأهميتها في تسيير الحياة اليومية للمواطنين، وبالتالي لابد أولاً من الوصول إلى انتخابات موضوعية بعيدة عن الأمراض الاجتماعية، وكذلك لابد من إعادة دراسة قانون الإدارة المحلية، وتلافي بعض ثغراته التي لم تكن منسجمة مع الواقع، وكان معيقاً للعمل في بعض مواده!.
رفعت الديك