ورشة فساد!
ربما لا نستطيع تحديد الترتيب الرقمي لورشة العمل التي أقيمت منذ أيام بعنوان تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد نحو استراتيجية وطنية لمكافحته بحضور عدد من الوزراء والمديرين؛ وذلك نظراً لتكرار آلاف الورشات التي تنشغل في رفع بصمات الفساد عن المجتمع بكافة مؤسساته دون أن يكون هناك فاعل أو مفعول به بل مجرد كلام عائم على وجه آلاف الملفات التي تسجل جميعها في ذمة المجهول، فلا متابعة أو ملاحقة حقيقية للفاسدين، وعلى ما يبدو فإن بودرة كشف البصمات المستخدمة منتهية الصلاحية أو بالأحرى غير موجودة.
وبالنتيجة مثل هذه الورشات هي في العلم الجنائي محاولة للتضليل وإخفاء الأدلة وتشتيت البوصلة الرقابية وإلهاء الرأي العام بالنظريات القانونية غير القابلة للتطبيق، وبالتالي مساءلة الجهات المنظمة لها يعد خطوة عملية أولى في مسار مكافحة الفساد خاصة بعد أن كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول ارتكابات ومخالفات تدين بشبهة الفساد الكثير من الشخصيات الاعتبارية في المؤسسات وبشكل يضع البعض في قفص التجريم الموثق والأكيد، والبعض الآخر في قفص الاتهام الظني حتى تنتهي التحقيقات التي تطبخ دائماً على نار هادئة، وقد يكثر عدد الطباخين فيها “لتشوط” ولتترك نهايتها معلقة إلى أجل غير مسمى تحت عنوان تحقيقات سرية تستوجب الحيطة والحذر وعدم الإفصاح عن مجرياتها حرصاً على سلامة التحقيق ونزاهته واتقاءً لشر التدخل من قبل أصحاب النفوذ الذين ينطبق عليهم ذلك المثل القائل (في كل عرس لهم قرص).
ولاشك أن هذه الحالات التي تشغل الشارع ليست بالجديدة، فهناك العديد من الملفات السابقة أو الحالية التي تحاكي حقيقة فساد من يمتلك مفاتيح القرارات في بلدنا ولن ندخل هنا في التفاصيل، ولكننا نجد أنه من الضروري طرح تلك التساؤلات البسيطة الحاضرة في أذهان الناس.. لماذا يتم فتح الملفات بعد مغادرة هذا المسؤول أو ذاك لمنصبه سواء كان ذلك نتيجة لقرارات التغيير أم لهروبه خارج الحدود؟ ولماذا تترك نهايات هذه الملفات مفتوحة أمام سيل من الاحتمالات الجامعة مابين معاني الأبدي والأزلي والسرمدي.
وطبعاً هذا السؤال يفتح الباب أمام الكثير من التوقعات والتكهنات التي تناور دائماً على محور وجود شبكات حماية كبيرة تدير هذه الأعمال وفق أجندة غير وطنية هدفها زعزعة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وتحقيق عوائد بالمليارات لصالح أرصدتها البنكية، ونستشهد هنا بحديث سابق لوزير التجارة الداخلية حول تعرضه للتهديد جراء مقاربته لملفات فساد كبيرة.
والشيء الواضح قبل الأزمة وخلالها.. أن التشابك في المصالح عطل خلال السنوات الماضية إجراءات مكافحة واستئصال جذور الفساد من المؤسسات العامة حيث لا يزال حاضراً بقوة على ساحة الحياة اليومية للمواطن، ومن المؤسف القول إنه دخل مرحلة جديدة تجاوز فيها حالة الداء والمرض العضال، ليتحول بعد فشل كل الجرعات العلاجية والأمصال إلى لعنة سماوية تتكاثر فيروساتها في غياب المحاسبة والمساءلة، بل بكل شفافية نقول باتت الجهات الرقابية بحاجة إلى رقيب على عملها بعد أن تسللت إلى بعض مفاصلها فيروسات الفساد وطغت الشخصنة على غالبية قراراتها التي دخلت من باب الصفقات وخرجت من باب الابتزاز حيث كانت تنام الملفات لسنوات في الأدراج ثم تعود للحياة لتمارس من خلالها لعبة القط والفأر.
ونذكر هنا الكثير من الجهات الرقابية أنها لو كانت تتابع ما يتم نشره عبر وسائل الإعلام المختلفة بما يمثل من جهود الزملاء وتفانيهم في العمل ورفعهم الغطاء عن الكثير من حالات الخلل والتجاوز التي تخرج الآن للعلن بعد فوات الأوان لكانت الأمور بأحسن أحوالنا ولقطف المجتمع السوري ثمرة الإصلاح المالي منذ فترة طويلة، ولتجاوز المشروع الإصلاحي الخطوة الأولى في مشروع الألف ميل، وباعتقادنا أن هذه الخطوة تكون الآن بالتخلص من لعنة (ليس بالإمكان أكثر مما كان).
بشير فرزان