لا طعــــم الآن في فمــــــي
كل صباح.. كنت أبحث عن الفرح، عن البهجة في كومة من الوجع.. أبحث، عن أغنية تمتص رأسي كالنحلة..
وأمتصها ولا أشبع، لكن الصباحات لم تعد تكترث بمواعيدنا، تقطع مسافات لكي تتأخر..!
أعد نفسي منذ مدة، بأنني لو عشت عمراً آخر لن أكرر أخطائي، سأرتكب أخطاء أخرى تشفي الغليل، أخطاء غير قابلة للتصويب أبداً.. كنت ومازلت أصاب بأمراض سريعة وتافهة، وقد حدث ذلك كثيراً في طفولتي، حيث كان الطابق السفلي من “النملية” صيدلية أمي، أمي تلك الاقتصادية الجميلة التي لا تخطئ طرق الشفاء، بدون الحاجة لأحرف لاتينية متشابكة، تبدو وكأنها مكتوبة بأقدام دجاجات خالتي أم علي.
فالبابونج للكحة الموسمية الخالية من الخوف، والزعتر للتخلص من غازات قد تداهمني بلا سبب وبلا موعد، وكوبان متباعدان من الميرمية لعدة أمراض كامنة أو محتملة، والزنجبيل للبلغم، والسحلب للدفء في ليالي تشرين حيث يهطل البرد على مهل مثل النعس.
أذكر أكثر من ذلك لكن لا طعم الآن في فمي سوى المرار..! لا أعلم هل تقدم الوقت أم أنني بالغت في المشي المستقيم، وبالغت أيضاً في الحنين. ولا أعلم إن كان لزاماً علّي عندما بدأت لوثة الكتابة تسيطر على روحي أن أشتري الهمّ وقضايا كبرى تنزع السكر من قهوتي المقطرة، لأشربها سادة برفقة المثقفين.
لا يفوت الأوان بمحض إرادتنا، ومع هذا بعد فوات الأوان بدأت أعرف بأن البعد يسقط هيبة الحب، وينتهي كل شيء ببساطة بلا أي مقاومة تذكر، إن طعم قطعة الشوكولاته التي كانت تختصر لقاء عاشقين أذكرها جيداً، وأذكر أشياء أكثر من ذلك، لكن لا طعم الآن في فمي سوى المرار..!
لازلت وبكل سرور أقع في كل كمين أصنعه لمن أحب، ولازلت وبكل إصرار أتمهل في المشي المتعرج الذي يطيل الطريق رغبة بعدم الوصول، من هواياتي المفضلة المبالغة في تكثيف الحزن، أقرأ كل الوصفات الطبية التي تحميني من أمراض قادمة، ومع هذا كل شوق أصاب بك حتى الموت.
أشرب كل المشروبات الساخنة التي تحميني من الزهايمر وآفات النسيان، فأنا لا أريد أن أنسى وأمشي كالمجنونة من دوني، أذكر كل ذلك وأشياء أخرى، لكن لا طعم الآن في فمي إلا المرار.
لا طعم الآن في فمي سوى طعم السادسة صباحاً، في السادسة من العمر وكأس صغير من الشاي الخفيف مع سندويشة زعتر عالي الحموضة، ودمع مبكر بلا مبرر.
لا طعم الآن في فمي سوى صوت مذياع أمي في المطبخ، وهي توقظ الصباح (ويااااطير.. لو فيك تحكي للحبايب شو بني.. يااااطير)
لينا أحمد نبيعة