مسافات أخلاقيّة
عبد الكريم النّاعم
بظنّي أنّ ما يفصل مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة عن المجتمعات المتقدّمة في تحضّرها ليس المسافات الزمنيّة الفاصلة فقط، والتي يبدو بعضها ضوئيّاً لشدّة أذاه وشساعته، بل ثمّة بُعْد آخر وهو البُعد الأخلاقي، ولستُ أوّل مَن ينبّه لهذا، ولكنّني واحد من الذين يعوّلون على الأخلاق وقدرتها على تفتيح الأفكار، والآراء، والرؤى المتجاوِزة، وبظنّي أيضاً أنّنا ما لم نغيّر أخلاقنا المُثقَلَة بالإحباط، وفقدان الغَلّة، وتضييع البذار لأنّنا لم نختر له الوقت المناسب، فسنراوح طويلا حيث نحن، زاعمين أنّنا “خير مَن ركِبَ المطايا- وأندى العالمين بُطونَ راحِ”، إلى ما في جعبتنا ممّا ينفخ الإنتباج، والتّشاوف الفارغ.
مَن من المتابعين يجهل أنّ أحد أسباب تفوّق اليابان هو الصرامة الأخلاقيّة التي يُنشّأ عليها الفرد، وتنمّيها عنده المناهج الدراسيّة، ويرفده مجتمعه بمؤازرة إنسانيّة لا تغمط أحداً حقّه، بغض النّظر عن طبيعة المجتمع الرأسماليّة فيه، والتي أدارها بحكمة عالية، وهي أخلاق مجسّدة في البيت، كما في العمل، كما في العلاقات.
الذي أثار فيّ كلّ هذه الأشجان، وشحن هذا الانفعال هو حادثة رواها الصديق الشاعر د. حسّان الجودي، المقيم حاليّا في هولندا، يروي أنّه مرّ في ذلك الرّيف حيث هو، فوجد صندوقا فيه بيض، وبجانبه صندوق آخر لوضع النّقود ثمنا لِما يؤخَذ من البيض، وأدهشه ذلك، ووقف ليراقب، فشاهد مَن يمرّ ويأخذ حاجته من البيض، ويضع الثمن في صندوقه، وليس ثمّة رقيب سوى الضمير.
ألا يدفع هذا للتساؤل أين مجتمعاتنا التي ذكرناها من هذه الأخلاق،؟! لا أُنكر أنّه قد يوجد أفراد بيننا نمت عندهم الأخلاق فاعتمدوها، يمكن أن يتصرّفوا هكذا، أمّا أن يكون ذلك سِمة اجتماعيّة فذلك أمر لافت بقوّة.
أعتقد أنّ الكثيرين من أصحاب القراءة والمُتابعة يذكرون تلك الجملة التي رُويتْ عن الشيخ محمد عبده رحمه الله، حين زار أوروبا، وكانت قد أوقدتْ شموع نهضتها، وراقب النّظافة العامّة، والأخلاق السائدة، وطرائق التّعامل، فقال قولته الشهيرة: “أرى إسلاماً ولا أرى مسلمين، وفي بلادي أرى مسلمين ولا أرى إسلاماً”، لقد مرّ على هذا الكلام أكثر من مئة سنة.
بالمقابل أروي حادثة عن صديق وابن صديق، نشر على صفحته أنّه كان في زيارة لأمّه، وصادف على الّدرج جارها وزوجته، فقال له: “مساء الخير”، فعبس الجار، وأربدّ، وقال بصوت مسموع: “يسلّم علينا وكأنّنا أجانب، ألا يستطيع قول السلام عليكم”؟!
أعتقد أنَّ لا حاجة للتعليق لأنّ موج المرار قد أزبد.
في هذا السياق، ربّما أُعيد ما سبق أن مررنا به، ففي الذاكرة، أنّ أحداً ما قال ما معناه إنّ الله يُديم دولة (الكفر) بعدلها، ويُزيل دولة (الإيمان) بظلمها،
ترى هل نحتاج للمزيد بعد؟!
لنتذكّر قولة نبيّ الرحمة صلوات الله عليه وآله: “إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق”..
aaalnaem@gmail.com