اقتصادصحيفة البعث

إحجام المصارف عن الأخذ بيد المشروعات الصغيرة يدفع باتجاه تبني إحداث “هيئة وطنية لدعم الأسر المنتجة”

بالرغم من أهمية دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر ودورها في دعم الاقتصاد الوطني، إلا أن المبادرات التي تقوم بها جميع الجهات المعنية تبقى في دائرة التنظير، والتذرع بإقامة دراسات معمقة لبناء تشريعات تتناسب مع ماهية هذه المشاريع، وقد يكون المؤتمر الاقتصادي الأول ليس الأول في طرح هذه المواضيع للنقاش بحضور جميع المعنيين، ولكن يبقى التعويل على تجسيد مخرجاته على أرض الواقع بما يخدم هذا القطاع ويطوره، ويمكننا القول: إن أهم التشريعات المنتظرة هي إلزام المصارف بتمويل المشاريع الصغيرة وخاصة الزراعية منها ذات الطابع الأسري، انطلاقاً من تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية لها دون تأمين عليها، أو إحداث مؤسسة لضمان القروض الصغيرة كشركات مساهمة وطنية يشترك فيها المقترض بنسبة 1% أو 2%  من قرضه، والذي يقدم حل لإشكالية التأمين على القرض دون أن يضطر المقترض إلى تقديم ضمانات غير متوفرة ولا يملكها، وتشكل بالنتيجة عقبة أمام إتمام مشروعه.

ولعل المحاور الكبيرة والسبع دقائق المعتمدة في المؤتمر لم تكن كافية لطرح الإشكاليات وتقديم الحلول، ولكن أكثر ما نخشاه أن نخرج بخفي حنين كما جرت العادة بعد الانتهاء من محاور أي مؤتمر مهما بلغت أهمية القضايا المطروحة.

طواحين هواء

الدكتور أكرم الحوراني رئيس استاذ الاقتصاد في جامعة دمشق لم يكن متفائلاً بمخرجات مثل هذه الملتقيات، مشبهاً إياها كطواحين الهواء، نظراً لبقائها أسيرة الإطار النظري والابتعاد عن التطبيق، وعزا في تصريح خاص لـ”البعث” تشاؤمه لعدم تفهم الجهات المعنية لواقع هذه المشروعات ودورها في الاقتصاد الوطني، فالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر هي عبارة عن عمل أسروي يحتاج إلى بنية تشريعية خاصة تمنحه المزايا التي تدعمه وتعمل على تطويره، ولفت الحوراني إلى أن غالبية هذه المشاريع تقام في منطقة المخالفات أو المناطق العشوائية التي تفتقد إلى سلطة الجهات المعنية كوزارة الإدارة المحلية ممثلة بالبلديات، وبالتالي تواجه بعض السلوكيات كالمحسوبيات والرشاوى التي تثقل كاهل المشروع وتوئده منذ لحظة الولادة، مطالباً بإيجاد بيئة تشريعية تسمح للإدارة المحلية بممارسة كافة الصلاحيات وإعطاء الموافقات من خلال نافذة واحدة تسهل الإقلاع بها، كما طالب بتحمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض مسؤولياتها تجاه تقديم ضمانات لمن لا يملكها.

هيئة وطنية

وتناولت محاور المؤتمر دور التمويل في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبشكل خاص الأسر المنتجة، إذ ركزت على أهمية وكيفية تمويل الأسر المنتجة بقروض تتراوح من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة، والعمل على تحويلها إلى مشاريع رجال أعمال، وفي هذا السياق بين الدكتور علي كنعان أن الدول المتقدمة في هذا المجال كماليزيا واليابان انطلقت من فكرة دعم وتمويل الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة، مبيناً بحسب أخر دراسة عالمية في هذا الخصوص أن 10% من هذه المشاريع وصلت إلى مرحلة المشاريع الكبيرة، وطالب كنعان بإحداث هيكلية جديدة تحت مسمى “الهيئة الوطنية لدعم الأسر المنتجة” ودراسة المتطلبات اللازمة لدعم وتطوير هذا النوع من المشاريع، وبالتالي التوصل إلى حلول لكافة المشكلات التي تعترضها، بغية الوصول بها إلى مشروعات كبيرة لتصنيع المواد الأولية بدلاً من استيرادها، بالإضافة إلى دورها في زيادة حجم التصدير وتأمين القطع الأجنبي وتشغيل الأيدي العاملة ومكافحة البطالة.

قيمة مضافة

وأشار مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر إلى أهمية المشروعات الصغيرة من جهة الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة سواء موارد طبيعية أو بشرية، وتحويلها إلى قيم مضافة، وأهميتها من حيث توسع نطاقها الجغرافي بعكس المشروعات الكبيرة، والعمل على نشرها جغرافياً بما يساهم في التنمية المكانية واستهداف كافة المناطق لرفع معدل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

مسح جغرافي

واعتبر اسمندر أن المشروعات الصغيرة تقدم حلاً لإشكالية نقص رأس المال المادي لاهتمامها بعنصر العمل، وبالتالي تقدم حل للندرة النسبية لرأس المال مقابل الوفرة النسبية لعنصر العمل، كاشفاً عن خطة عمل الهيئة التي تعمل على جملة مشاريع هامة، منها إقامة مسح شامل لكل المنشآت الإنتاجية سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو متناهية الصغر بمختلف قطاعاتها، على أن يكون التعداد الأول منذ 15 عام، ما سيمكن الهيئة من امتلاك خارطة رقمية تحدد من خلالها أماكن هذه المشروعات ونوع النشاط وعدد العاملين فيها، وتحدد كافة الصعوبات التي تواجهها، وبالتالي تقديم الحلول اللازمة لإطلاق هذه المشاريع بأعلى كفاءة ممكنة. كما تسعى الهيئة إلى إضافة تعديلات في البنية التشريعية لها، كتأمين ذراع تمويل، بالإضافة إلى إقامة دورات تدريبية وتنظيمية لتحسين المهارات المتوفرة لدى الراغبين بالعمل لتتوافق مع رغبات أصحاب المشاريع.

استهجان

استهجن اسمندر اعتبار بعض المصارف أن المشروعات الصغيرة غير جديرة بالائتمان لعدم امتلاكها الضمانات، إذ أكد أن الضامن الحقيقي للقرض ليست الضمانات المادية، بل أن يكون المقترض هو صاحب المشروع وأن يكون مشروعه منتجاً، مؤيداً كلامه بالإحصائيات الأخيرة التي بينت أن مؤسسات التمويل الصغير تحقق جدوى في قروضها أكثر من المصارف. كما أشار إلى أهم الإشكاليات التي تعترض عمل إدارة الهيئة لهذا القطاع والمتعلقة بالجوانب الإدارية والقانونية، مؤكداً ضرورة العمل على إيجاد بيئة تشريعية وتنظيمية أكثر ملاءمة لهذه المشاريع وحل المشاكل المعوقة، بالإضافة إلى اعتماد جهة واحدة ناظمة لإدارة هذه المشاريع، بالتعاون والتنسيق مع بعض الجهات لتخفيف التكلفة والعبء المادي.

تكلفة عالية

يبدو أن غياب حاضنات الأعمال أحد أهم الإشكاليات لانطلاق هذه المشاريع ورعايتها،  والتي تقدم خدمات فنية استشارية كالنفاذ للمعلومات والتمويل وشبكات التواصل والتشبيك، بالإضافة إلى التدريب وبناء القدرات، ولكن الدكتور هشام الخياط مدير حاضنة مركز الأعمال والمؤسسات السوري أكد أن الحاضنات تحتاج إلى تكلفة مادية عالية وهي مؤسسات غير ربحية، فتكلفة الحاضنة والتي تقدم خدماتها لـ100 مشروع قد تصل 600 ألف دولار سنوياً وبالتالي لا يمكن إقامتها بدون تشريع حكومي، وتأسيسها كقطاع خاص يحولها إلى قطاع ربحي، يرهق أصحاب المشاريع الصغيرة.

وبين الخياط أن حاضنة أعمال مركز الأعمال السوري قدمت خدمات كاملة خلال الحرب لما يزيد عن 300 مشروع ومبادرة ومنشأة وتغطي خدماتها كل القطر إلكترونياً، ومتوسط عملها بين 6 إلى 10 شركات شهرياً، في حين أن كل مشروع يستلزم 15 يوماً من تاريخ تقديم الطلب،  وتحتضن المشروع لمدة سنة كحد أدنى.

فاتن شنان