بفضل الواقعية الكروية.. فرنسا بطلة للعالم.. وريال مدريد أحد الأسباب
منذ نهائي كأس أوروبا قبل نحو عامين التي حصد فيها المنتخب الفرنسي خيبة كبيرة بسقوطه أمام البرتغال على أرضه وبين جماهيره، بدأت الأنظار تتجه للمدرب ديدييه ديشان الذي كان بين مقصلة الإقالة أو الاستمرار في مشروعه لبناء منتخب قادر على التتويج بلقب كأس العالم، وبالفعل صمد ديشان في وجه العاصفة، وحقق ما كان أمراً مستبعداً، مهدياً منتخب بلاده لقب المونديال الروسي.
فالجيل الحالي من اللاعبين الفرنسيين لا يمكن إلا أن يقال عنهم إنهم نجوم لامعة ينتظرها مستقبل كبير، ولعل لقب كأس العالم سيكون البداية فقط لمزيد من الإنجازات، وطبعاً إهداء النجمة الثانية للكرة الفرنسية لم يكن بفعل الحظ، أو وليد المصادفة، بل كان نتيجة ظروف موضوعية، واستفادة قصوى من تجارب الآخرين.
رب ضارة
التحضير الفرنسي للبطولة لم يكن مثالياً، وخاصة مع الغيابات الكثيرة التي اضطرت الجهاز الفني للاستغناء عن خدمات لاعبين مؤثرين كلوران كونسيلي، وديمتري باييه بسبب الإصابة، ولكن هذا الأمر الذي كان مشكلة قبل دخول المباريات تحول لفائدة كبيرة بعدها.
فمع غياب كونسيلي عن خط الدفاع وجد الثنائي صامويل اومتيتي، ورافاييل فاران فرصة لإثبات تكاملهما، وتشكيل سد منيع أمام الخصوم، كما أن غياب باييه منح للمدرب ديدييه ديشان اللعب بثلاثي وسط ميدان دفاعي بامتياز، لكنه يمتاز بسرعة الانتقال في الهجمات المرتدة، الأمر الذي كان يفتقده باييه، إضافة إلى أن اللاعبين الشبان الذين منحوا الثقة تمكنوا من تثبيت أقدامهم بصورة رائعة، فالظهير الأيمن بينيامين بافارد كان مفاجأة البطولة، وخاصة أنه يلعب بعيداً عن الأضواء مع شتوتغارت الألماني، كما أن الظهير الأيسر لوكاس هيرنانديز حل مشكلة كبيرة عانت منها فرنسا، رغم أنه لا يلعب باستمرار مع ناديه اتلتيكو مدريد.
كلمة السر
عندما تمتلك مدرباً قائداً، فذلك يعني في كرة القدم أنك قد قطعت نصف الطريق نحو النجاح، وعلى هذا الأساس سارت خطة الاتحاد الفرنسي بتعيين أحد نجومه السابقين في منصب مدرب المنتخب لإنهاء حالة الضياع التي عاشها لسنوات، فالمدرب ديدييه ديشان الذي اشتهر بلعبه الهجومي أيام تدريبه لناديي موناكو ويوفنتوس تمكن من الاستفادة من نهج فريقي العاصمة الاسبانية اتلتيكو، وريال مدريد، ليبني فريقاً متماسكاً.
فالمتابع لمباريات المنتخب الفرنسي، وتحديداً في العامين الماضيين، يجد أنه يمتلك تنظيم اتلتيكو المحكم، وفعالية ريال مدريد الهجومية التي قادته للألقاب، وطبعاً هذا التعديل والانعطاف الكبير لم يكن سهلاً، بل استلزم التضحية بعدد من النجوم، والمجازفة بالكثير من اللقطات حتى يؤتي ثماره.
بصمات ديشان لا تخفى على أحد، ورغم أن خبرته لا تعد الأكبر بين مدربي البطولة، لكنه أثبت أنه الأذكى، والأكثر مرونة تكتيكياً، إلى جانب قراءته للخصوم بأفضل صورة.
ليست مملة
البعض يرى في التتويج الفرنسي انتصاراً للكرة المملة على الجمالية والمتعة التي باتت قليلة أو معدومة في ملاعب اليوم، لكن الحقيقة منافية للأمر، كون رفاق المتألق كيليان مبابي تحكموا في نسق المباريات حسب النتيجة، فهاجموا وأبدعوا في اللحظات التي كانت تحتاج لتسجيل الأهداف، واكتفوا بالدفاع المنظم، والاعتماد على المرتدات عندما لزم الأمر، وفي هذا نهج كروي واقعي قائم على التوازن، وكما هو معلوم فالأداء ينسى، والنتيجة هي التي تدخل كتب التاريخ.
كما يمكن الحديث في نقطة أخرى هي أن المنتخب الفرنسي سجل 14 هدفاً في مبارياته السبع، وهذا رقم جيد جداً قياساً بمنتخبات توّجت سابقاً دون أن تسجل هذا العدد مثل اسبانيا في مونديال 2010 التي سجلت ثمانية أهداف فقط، دون نسيان أن كرة القدم لم تعد هجوماً فقط، بل أضحت تكتيكية بامتياز، وكما قيل قديماً فإن الهجوم يجلب الفوز أحياناً، لكن الدفاع الجيد يجلب البطولات.
ماذا لو؟
كثيرون وصفوا التتويج الفرنسي بأنه جاء بعامل الحظ، واستذكروا لقطات كثيرة كان يمكن أن تقلب المعطيات، وتبعد الديوك عن لقبهم الثاني تحت شعار: “ماذا لو”، فلو سجلت الأرجنتين هدف التعادل في اللحظات الأخيرة، ولو لعب كافاني مع الأوروغواي لاختلفت الأمور، ولو أنصف الحظ بلجيكا لفازت بنتيجة كبيرة، وهذا الكلام فيه جانب من الصحة، لكنه يفتقد الدقة الكاملة.
فلو استعرضنا مباريات أبطال العالم الـ (7) لوجدنا أنهم كانوا دائماً المبادرين في التسجيل والهجوم، ولو وقف الحظ معهم في مباراة الأرجنتين لانتهت بمهرجان أهداف، ولو تابع الفريق نهجه الهجومي لسحق الأوروغواي بأكثر من هدفين، أما مباراة بلجيكا التي سيطر عليها الشياطين الحمر، فهم لم ينجحوا بتشكيل أية خطورة، واكتفوا باللعب في وسط الملعب دون أية هجمات تذكر.
مؤيد البش