تخضــــــّر الأمنيـــــــات
وتخضّرُ الأمنيات أو السنبلات وكأنها الوقت الذي ننتظر، وكأنها النهر الوردي الذي نشتاقُ إليه, نشتاق، وتشتاق الضفاف همس العشاق، تشتاقُ حكايات غير مجروحة الودّ, حكايات وروايات تصبح أجمل عندما ينهض أبطالها, وكلمتهم العُليا تُقالُ بألف لغة ولغة، وتخضّرُ الأمنيات فناجين من قهوة الأيام, نقرأ فيها تعرّجات الزمن الياسميني ونسأله أين بوح ألوانه وجمال بياضه؟ نسأله بحق الأقدار وحتميّة انتظار السنبلات.. نسأله عن فلسفات الضوء والأقمار.. عن تين الأيام وزيتونها وعطر السنين ونغرق في بوح الأسئلة, في تجلّيات كلامها واستفهام الشيء التابع لها.
وتخضّرُ أو تصفّرُ الأمنيات حكاية شوق لمن غاب طيفهم في المدى البعيد, غاب الشيء الجميل الذي كنا ننتظر, ولكنا ما نزال نستجمع بقايا اللغة ونضعها في ماهية الانتظار, ماهية الحضور الوقتي الذي لا بد أن يعبر بنا إلى الضفة الأخرى, إلى بيارات الزمن الذي نشتهي, بيارات أمانيه ولحن أغانيه, حيثُ الشط الذي تقادمت عليه كل الأماني والأحزان, وبقي كما هو ينتظر عشاق الحياة.. ينتظر ضحكات الطفولة المنسيّة وصوت فيروز ينتظر الألوان كلّها أن تأتي وتنصهر في فلسفة وجمالية الألوان الباقية هنا وهناك.
لا شيء يُغري في الحياة سوى التحدي, أن نرى في أعماق ما نرى فلسفة الرؤى الحقيقية التي نحتاج أن نتوّج بها بعضاً من ورود أيامنا وبعضاً من وروود أحلامنا الباقيات رغم الكابوس الذي مرّ من هنا وهناك.. مرّ وعند مروره كم تمنينا فلسفة السُنبلات؟ كم حلمنا بها أن تأتي إلينا كخبرٍ مُستعجل ينبت ياسمنيه في الأفق الرحيب, وعلى الشرفات تعربشُ حكايات الوقت وبعض قزحيتها, بعض ألوانها وتفاصيل شجونها, ينبت الجواب القمري لكل شيء كنا ننادي عليه, كنا ننادي فلسفة الحال والمنادى وكل نحويات وفصاحة الأمنيات وننتظر أن تخضّر السنبلات وبالتالي يكبرُ ياسمين وقتها, وتكبرُ سلال تينها وقصص زيتونها.. قصص الشيء المأمول حقاً، وما أروعه إذا أتى الزمان عليه وأودع قمرية كل الأشياء في فلسفات محتواه؟ ما أروعه لو تفتّق الليل وأعلن رحليه عنه وجاء النهار بكل لغاته وصفات موصوفه الأجمل, جاء لنشاركه قهوته مع الأيام ونلمح في قعر فنجانه ما كنا نتمناه, نحلم به ونسألُ البدرَ عن ليالي الإتمام؟
متى نلمحها في مدّ الحقيقة وفلسفات جزرها ونكتبُ عنها نثريات وكلام؟ نكتبُ عنها في ماهية الحلم وصحوة الارتجاء, صحوة الشيء الذي يجعلنا نمتهن فنون الكتابة, نتجرع رحيقها من حيث يُصبحُ التجرع الفعلي وكأنه هو الغاية والقصد, وكأنهما بيت القصيد الذي نبحث عنه ولا نجد شيئاً من وروده حتى وإن كنّ ذابلات نتمنى الاهتداء إلى نور فوانيسها الحالمة.. هذه الفوانيس التي فقدت شيئاً من زيتها في الفترة الماضية وكأنّ الأقدار أرادت أن تُشاركنا سياسية الجلوس على شط الفقد المستمر، هذا الشط الذي تكثرُ عليه التساؤلات وشوقها وشوقنا المستمر لسنبلات نتمنى أن تخضر وتزدهي بألوان الحياة وبالتالي نزدهي مع ليالي الإتمام وبريق الاخضرار وجلُّ معانيه واستبرق دلالاته التي تجعلنا ننتظر أن تأتي الأوقات وتخضّر معها جميع السنبلات.
منال محمد يوسف