مهند معلا: نحن أهل الفن والسلام فوق الأرض وتحتها
“نعم نحن أهل حرب، لكننا أيضا أهل محبة وسلام وفن، وأصحاب رسالة لا ريب أن دويها كان صاعقا، كما كان دوي حروبنا على القتلة وأصحاب القلوب السوداء؛ متعتنا الإنسانية بكافة جوانبها، هي أن نحول نفقا مصنوعا بهدف الموت، إلى نفق يضج بالحياة”.
الكلام السابق للفنان التشكيلي مهند معلا -1985-، الفنان الجندي، الذي حول بعض أنفاق الموت في منطقة الغوطة “جوبر” إلى متاحف تحت الأرض، بالجداريات التي أقامها على تلك الجدران الفجائعية، وباختلاف مواضيعها، تلك التي ذهب بعضها ليخلد ذكرى أولئك الرجال الذين انتصر الوطن بأرواحهم، فمن هنا مروا، ومن هنا ردوا الكيد بالكيد والنار بالنار، وهاهم رفاقهم يصنعون الجمال، ويصيغونه آية حسنى في زمن الوحشة، تلك فروسية الحق، وهذه بعض فعاله.
أشكال عديدة ورسائل حملتها تلك المنحوتات التي صنعها معلا بأبسط الأدوات، كانت المجرفة و”القظمة” والمفك، من بعضها، حيث طوعها شغف ذاك الشاب لتكون أدوات لصناعة الفن، ولتبديل مفهوم الرسالة الفنية، بأشكال فنية صنعها بروحه أيضا، الرسالة التي رفرفرت مع حمامة على جدار، ثم غطت على كتف جندي سوري يؤدي التحية، وكأنه الحارس السرمدي لهذا الزمان، بعد أن أحال ابن بحر طرطوس، القبح الذي عشش في تلك الأماكن طويلا، إلى جمال من نوع صاف وبديع، دون مزيد فلسفة بلا طائل عن ذلك، بل بهدوء تام قال: “بدأت العمل عام 2017، كنا خارجون من المعركة منتصرين، ومتواجدين في الخطوط الأمامية للعدو، وقمت بتسمية أول عمل بـ “صمود الجيش”، وفي عام 2018، عندما حررنا الغوطة، تابعت عملي الفني أيضا، وكان التحرير حينها متزامنا مع قيامة “النبي يسوع” حسب التقويم الغربي، مصادفة جميلة أحببتها وأحببت أن أخلدها بعمل يدمج بين قيامة السيد المسيح، وقيامة الغوطة التي يرفرف العلم الوطني في سمائها”.
المشروع الذي انطلق به كما ذكر سابقا منذ عام، لا زال مستمرا وبهمة أعلى، وها هو مقبل على مشاريع فنية يعدنا فيها مهند بالقريب العاجل، يقول معلا: “هذا القبح، لا يُقابل إلا بالجمال، وهذا ما أفعله هنا، ما نفعله جميعنا حقيقة، فعندما تصبح الأرض طاهرة، يحلو للفن وللفرح أن يكون متواجدا، وهذه واحدة من رسائل هذا العمل، نعم إننا أهل السلاح إذا نادى الوطن، وأهل الفن والحب في كل زمان”.
لم تبتعد منحوتات مهند في تلك الكهوف الطويلة التي صُنعت لتكون ممرات للقتل، في موضوعاتها، عن الرمزية التي يطرحها كل عمل على حدة، والتي تشكل على المستوى البصري، حكاية يرويها ذاك الرمز بنظرة، لكن المنحوتات تروي مجتمعة حكاية واحدة، هي حكاية الإنسان السوري الأصيل، فوق هذه الأرض وتحتها أيضا.
“كفنان أن تعطي الحياة لشيء جامد، هذا من بعض وظائفك، فالفن لا يكتمل ولا يصيغ تداعياته وأثره في الأرواح، إلا إذا كان بسيطا، واضحا، مفهوما ومحبوبا من الجميع”، الكلام أيضا لمهند الشاب الذي عاد من إيطاليا ومن دراسة القبطنة البحرية فيها، بعد إنهائه لدراسة الفنون التطبيقية، والتحق بالجيش عندما طُلب إليه أن يُجهز روحه لفن ولكن من نوع آخر، وها هو وبعد أن طاب لروحه العمل فيما يحب، كان المكان والزمان هما من يدلانه إلى طريقه الجديد في الحياة: “شكلت فريق عمل يتكون من 10 فنانين تشكيليين من دمشق، صبايا وشباب مع أستاذنا في المعهد، وسوف نبدأ بالتحضير لفعالية فنية بالفترة القريبة، والمدة الزمنية لإتمام العمل عليها ستمتد قرابة الـ 15 يوما، وفي تلك الفعالية وما نشتغله فيها، سوف نروي بطريقتنا، مواضيع واقعية عشناها كسوريين، مع الصمود والنصر والشهيد وأم الشهيد”.
مهند معلا من أصحاب الإحساس المرهف، يرى الجمال رسالته في كل ما يمكن أن يكون نتاج من نتاجات الخراب، فبعض “شوالات” موضوعة كمتاريس، نما في ترابها العشب، وفي تلك الصورة، يجد مهند أن الحياة تتحدث عن نفسها، فلندعها تفعل ذلك بطمأنينة.
تمّام علي بركات