ثقافةصحيفة البعث

نوال الحوار في مجموعتها الشعرية “تغريبة الغزالة” غزالة مطعونة بالغياب

 

اثر العديد من المجموعات الشعرية والنصوص النثرية والكتابات، منها (القطا في مهب العطش) وغيرها من المجموعات الشعرية, لكن الأميز في تجربتها الشعرية ربما ومن وجهة نظري هو مجموعتها الشعرية: “تغريبة الغزالة” الصادرة عن دار الجزيرة الثقافية، في بيروت عام 2015، فيها اختلاف عن بقية مجموعاتها الشعرية، إذ تقدّم الشاعرة نوال الحوار نصوصاً شعرية تتنوع موضوعاتها، وصياغاتها وبنيتها، ودلالتها وترميزها.
سنجد في «تغريبة الغزالة» وعلى امتداد 160 صفحة، قصائد متنوعة ومختلفة تبدؤها الشاعرة –من الإهداء- الذي تقول فيه: “فريال- الغزالة التي أدمنت الرحيل غزالتي المطعونة بالغياب، ضيعني غيابك في زوابع من حزن وانذهال /غزالتي أطلّي، من ثغرة نسيها الزمان، لاجدوى من النسيان”. تبني الشاعرة نوال لقصيدتها ذاكرة للمكان، كما يبني الطائر عشه، جغرافية قصيدتها لا تشبه الجغرافيا كمكان، هذا إذا استثنينا تسمية بعض الأمكنة بمسمياتها، هي جغرافيا شعرية تنبثق من ذاكرتها الإنسانية والوجدانية الشعرية التي تؤنسن روح المكان، وتخلّد نبض اللحظة في ذاكرة متقدة، ثمة شوارع وأرصفة لأمكنة، قد تبدو للوهلة الأولى مألوفة لنا بيد أن “الغزالة البدوية القامشلاوية” تنثر من ذكريات روائح تلك الأمكنة، عطر قصيدتها، عبر إضافات من ذاكرتها التي تحيلنا لتذكّر بعض الأمكنة، منها مثلاً: الشام، بيروت، حمص، حماة، حلب، القامشلي (مسقط رأس الشاعرة).
عناوين قصائد هذه المجموعة في كليتها، تكاد تكون مفاتيحها صعبة المنال، سنجد ذواتنا هنا أمام عناوين هي لم تكن ولن تكون عتبة دالة للولوج إلى عمق النص، مثلما هو السائد والمألوف، بل هي في أكثرها مصيدة، تلك المصيدة التي تستدرج القارئ، إلى شباكها، بعد ذلك سيجد ذاته من ضمن مفاتيح القصيدة، بل سيكون هو الشريك الشرعي في بوح القصيدة. منها: نثريات من سراب الفراق، أنا والغزالة وغربتنا، تخلع الذاكرة ثوبها أحيانا لحضور الغزالة، أميرة منتصف الليل..الخ.
الشاعرة هنا تنوِّع بموضوعات ومناخات قصائدها، قصائد بكل طزاجتها وخصوصيتها تنتمي للشاعرة نوال الحوار، وليس لسواها. حتى قصائد بعض المدن التي تناولتها، شاعرتنا، كان لها ذلك الوقع الذي لا ينسى، تناولتها بطريقتها الخاصة عبر قاموسها الشعري وخصوصية ذاكراتها، وذكرياتها، ما جعل للقصيدة ذاك الحضور الآسر، وتلك الرائحة التي تشبه عطر المكان، عن مدينتها الأم القامشلي، مدينة الحب والقصب، كما تراها، تقول: “أخوض في المياه، الذاكرة مياه/ الذاكرة بحار ومحيطات وأنهار/ أسهر تحت سماء بيروت الماطرة..، فتمطر تمطر غيوم القامشلي”.
عن حماة تقول: “بكاء النواعير في الليل/ تتحدث في صوت مسموع/ أنظر في وجه الأحجار وأستغرب، يا الله، يا وجه رسول الله، يا وجه يسوع/ هل شاهدتم من قبل على وجه الأحجار دموع”؟.
في “تغريبة الغزالة” تنسج نوال الحوار عباءة لقصيدتها من تجربتها وثقافتها وخصوصيتها، قصائد ستقرأ بكثير من الحميمية والمحبة أكدت تألقها وألقها، في أكثر من عاصمة عربية.
تقول: “أنا امرأة من بادية الشام، المآذن عالية، والأذان يطلق أجنحة طيور بيضاء/ النواقيس فوق الكنائس تفتح باب المحبة/ وهي تسرّح أنفاسها في الزمان، فأنا مئذنة أيضاً، وبصدري ناقوس يخفق، بنشيد الحبّ، وباسم الربّ، ناقوس حين يرنّ، يجيء العشاق إليّ، وفي أيديهم باقات الورد”.
“تغريبة الغزالة” للشاعرة نوال الحوار, قصائد تقرأ بكثير من المحبة، وهي جديرة بالتوقف عندها كثيراً.
أحمد عساف