الأولى بها أن تكون لمشاريع كبيرة جديدة
منذ عقود خلت وللعديد من الجهات الرسمية عقود عديدة متتابعة، يتم تنظيمها أصولاً مع جهات منفذة – رسمية أو خاصة – لإشادة منشآت أو أعمال إنشائية أو ترميمية، وهي موجبة التنفيذ خلال المدة العقدية المحددة، بموجب العقد الذي ينص على دفع غرامة مالية مبين عنها عن كل يوم تأخير، ومن المفترض أن تكون الجهة المعدة للعقد قد لحظت بشكل جيد إمكانية تنفيذه خلال المدة المحددة، ومن المؤكد أن الجهة المنفذة لا تقدم على الالتزام بالعقد ما لم ترَ أن المدة المحددة مناسبة لها، ومع ذلك فإن واقع الحال يظهر تأخر تنفيذ عشرات المشاريع، مدة تزيد قليلاً أو كثيراًَ عن المدة العقدية، بل إن بعضها استغرق أضعاف المدة، ما أدى إلى أن الجهة صاحبة المشروع قد خسرت فترة استثماره عن مدة التأخير بهذا الاستثمار الذي كان من المتوجب أن يبدأ عقب انتهاء المدة العقدية، والطامة الكبرى أن الخسارة لم تتوقف عند هذا الحد، بل يوازيها خسارة أخرى، غالباً ما تكون أكبر، هذه الخسارة المتمثلة بارتفاع تكاليف إكمال ما لم ينجز في المشروع، بما يقابل أضعاف كلفته الحقيقية في العقد، وربما يعادل كلفة كامل القيمة العقدية للمشروع، هذه الكلفة الإضافية الجديدة التي تنجم عن الفروق بين الأسعار المدرجة في البنود العقدية، والأسعار الجديدة التي طرأت نتيجة التأخير، عدا عن نفقات إضافية أخرى ستنجم عن فروق أسعار التجهيزات اللازمة الواجبة التحضير للإعداد لاستثمار المشروع عقب تنفيذ العقد، ولا ينتهي الأمر هنا، فغالباً ما تترتب تكاليف جديدة أخرى، نتيجة التأخر الجديد الذي ينجم عن المزيد من المراسلات الإدارية وأعمال اللجان والمماحكات المطلبية.
لا جدال في فروق الأسعار التي تنجم خلال المدة العقدية، إذ غالباً ما ينص عليها العقد، وأيضاً لا جدال بخصوص الفروق التي قد تنجم بعد المدة، حال توضَّح بشكل جلي التبرير الموضوعي للتأخير، ولكن الطامة الكبرى تظهر في الفروق التي تحصل نتيجة التأخير الذي قد يبرر، ومن غير الجائز تبريره، والذي قد يتم تبريره بالتواطؤ مع الجهة المنفذة، أو قد يتم حال كانت الجهة صاحبة المشروع – الفرعية أو المركزية – أو الجهة الوصائية هي المسؤولة عن هذا التأخير نتيجة قرارات غير حكيمة صدرت عنها، أو إجراءات مارستها ليست في مكانها، ولا تستطيع أن تحاسب الجهة المنفذة، فتغطي على جرمها بنفسها، بأن تحمل الجهة المنفذة التأخير، وتبرره لها.
اللافت للانتباه أن معظم الشركات الإنشائية متأخرة في إنجاز العديد من المشاريع، وكثيراً ما يتبين أن معظم التأخير ناجم عن خلل في تدفق السيولة المالية، أو عن ضعف إمكانات التنفيذ الآلية والبشرية، ومع ذلك تتصدى هذه الشركات مجدداً لتنظيم عقود لتنفيذ مشاريع جديدة مع العديد من الجهات الرسمية التي لديها العديد من المشاريع المتعثرة الإنجاز، ومع ذلك تعلن مجدداً عن عرض عقود لمشاريع جديدة، وبالتالي أليس من الأجدى أن تعمل الجهات الرسمية على الحد من عروض العقود الجديدة، ما لم يتم استكمال تنفيذ العقود القديمة، وألا تنظم عقوداً جديدة مع شركات متعثرة في تنفيذ ما لديها من عقود، بغية الحد من التأخر في تنفيذ العقود.
هذا التأخر الذي لوتم تجميع التكاليف المتراكمة الباهظة الناجمة عنه، على مستوى جهة رسمية واحدة، أو على مستوى محافظة واحدة، لوجدنا أنفسنا أمام مبالغ مالية كبيرة، بدليل أن السيد وزير الأشغال العامة والإسكان قد كشف قبل أيام عن أن مجموع تعويضات المشروعات المتعاقد عليها في الشركات العامة الإنشائية قد بلغت /271/ مليار ليرة، وذلك لتحقيق التوازن السعري لهذه العقود، وتمكين الشركات للانطلاق إلى مشروعات أخرى، وأشار الوزير إلى أن الوزارة قد أرسلت مذكرة تتضمن صرف مبلغ / 89/ مليار ليرة من إجمالي التعويضات تلك قبل أن تصدق الحكومة عليها، ويتم تعميمها لصرفها تباعاً للشركات الإنشائية.
وهنا أليس من حق كل مواطن أن يتساءل كيف حدث هذا التأخير وهذا التبرير وهذا الصرف الكبير، وهل من مشروعية كاملة صحيحة لكل ذلك، وأليس من طرف ما أو أكثر معنيين جزئياً أو كلياً بأسباب هذا التأخير، الذي من المتوجب التحقيق والمساءلة والمحاسبة كل بحسب دوره، وأليس من الأولى ألا يخسر الوطن هذه المليارات التي كان من الأجدى أن تخصص لمئات المشاريع الجديدة، لا أن تضاف لكلفة مشاريع قديمة كانت بغنى عنها..؟!
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية