هل بدأت مراجعة الحسابات؟
أثارت المشاهد الشعبية العفوية في ريف درعا التي نقلها التلفزيون العربي السوري بالأمس في بقاع عديدة من حوران، وغداً في ريف القنيطرة، بما فيها من ابتهاج أبنائنا بدخول الجيش العربي السوري ورفع العلم الوطني وصور السيد الرئيس مشاعر الثقة بسرعة تعافي المجتمع الوطني العروبي في الجمهورية العربية السورية، والأمل بعودة الوحدة الوطنية إلى ربوع الوطن كافة وفي وقت قريب.
هذه المشاهد بما تكتنزه من دلالات اللحظة التاريخية المفتوحة على مستقبل واعد، والتي تدافَع لإحيائها وترسيخها وتعزيزها، تعبيراً عن حب الوطن والقائد والجيش، الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، ليست مفاجئة ولم تكن غير متوقعة، فكل الوطنيين في سورية كانوا يعرفون وبالرغم من طول سني الأزمة أنها لا بد قادمة، وكانوا أيضاً على يقين بأن الأزمة لا بدّ إلى زوال، فعودة الوعي والهوية والانتماء مقترنة بأصالة هذا الشعب الذي تعرّض إلى محك تاريخي فعلت فيه ما فعلته الأسباب الخارجية المنبعثة من حاجة عديد من الدول أو الأنظمة إلى تصدير أزماتها إلى الخارج.
إن الحاجة إلى “تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج وخاصة الجوار” ترتبط بظن بعض الأنظمة أن هذا التصدير يخلق حالة من التوتر الوطني الداخلي تلهي الشعب عن إشكاليات النظام، وعلى هذا الأساس ووفق المنطق الرياضي في التحليل السياسي فإن حالة الاستقرار الواعدة والمقبلة في سورية ستؤدي إلى تزايد الإرباك في الأنظمة والمؤسسات التي أسهمت في تأجيج الأزمة السورية، وستكون هذه الأنظمة ولاسيما في دول الرجعية العربية وتركيا والكيان الصهيوني أمام اختبارات قاسية ومديدة تضطر فيها لمراجعة حساباتها الخائبة والتِماس العبر واقتباسها من التجربة السورية، التماساً مقترناً بالندم والاعتذار وطلب العودة إلى ما قبل.
فقد بدأت ترتفع أصوات سياسيين وإعلاميين ومفكرين ومراكز أبحاث، وصنّاع رأي وقرار وقادة أحياناً لتبيّن هذه الحسابات الخاطئة، والقراءات المضللة لمسار الأزمة في سورية، وتدعو إلى مراجعة نقدية مجدية ومفيدة تنطلق من أن الرئيس الأسد كان الأكثر دراية ومصداقية وحكمة وشجاعة وواقعية أيضاً في قراءته وتعامله مع الظروف المحيطة بالأزمة، مع أسبابها ودوافعها وأهدافها وسبل مواجهتها وهزيمتها واجتراح معجزة الانتصار والعودة بالوطن وبالشعب إلى الأصالة والمبادىء والثوابت الوطنية والعروبية، انطلاقاً من أن هذا الشعب الذي تنعّم بمنجزات الدولة الوطنية في التعليم والصحة والوحدة الوطنية وجماليّات العيش المشترك وبمعدلات نمو متسارعة في الدخل وفي الخدمات العامة خاصة ما بين 2000 و2011 لا بد أنه سيرفض الإرهاب والتطرف والتكفير، وسيهزم المؤامرة عليه وعلى مصالح وطنه وقضايا أمّته.
هذا الرفض للمؤامرة التي لم يعد بالإمكان أبداً نكرانها سيعم قريباً أرجاء البلاد كافة، وسيقترن بتوافد الجموع وتوجّههم إلى الساحات العامة وإلى مؤسسات الدولة الوطنية: مدارس وجامعات ومشافٍ ومعامل وحقول، حاملاً كل فرد معه هويته الوطنية وانتماءه واعتزازه بما أنجزه أبطال قواتنا المسلحة الشهداء البررة والجنود البواسل، لتعود الحياة العامة إلى ما كانت عليه قبل 2011، بل أكثر حصانة ومنَعة وخبرة واعتباراً من التجربة المرّة التي ستكون درساً لا يُنسى ولا يُعاد.
مباشرة في كل قرية ومدينة ينهزم فيها الإرهابيون وتُطرد فلولهم، تتوافد الجموع لتلتفّ تحت راية الوطن وعلَمه الخفّاق أبداً، فتحيي الجموع أعراساً وطنية تؤكد الأثر الخارجي البغيض والعميل في الأزمة، ولهذا السبب كان للمتورطين فيها الخزي والعار والهرب من وجوه الناس خجلاً وخيبة والالتجاء إلى الباصات الخضراء وإلى الشمال لأنهم متأكدون من صعوبة أن يبقى لهم مكان ولو قبر على ثرى الوطن الطاهر وبين أبنائه الذين عانوا الأمرّين من هؤلاء الخونة والمجرمين.
فـ “ندمَ البُغاة ولاتَ ساعةَ مندمِ”، وهم يرون ومعهم مشغلوهم أنه لم يبقَ هناك شيء للتفاوض عليه.. فالمعارضات الخارجية كل منها ينهض مسرعاً عن كرسي المنصة ويلملم أوراقه هارباً لا يعرف إلى أين؟! ويرهقه أن مشغله لا يملك جواباً.
في هذا الواقع الواعد لا شك أن للأصدقاء والحلفاء دوراً تاريخياً لن ينساه الوطنيون والعروبيون ولا أحرار العالم ولا شرفاؤه، لكن للتاريخ والحقيقة فإن الدور الأبرز كان وسيبقى لحكمة القائد وشجاعته في هذا المعترك المصيري الذي نخوض.
وفي الوقت الذي سنجني فيه ثمار التضحية والصمود والكبرياء ستكون مراجعة الحسابات عسيرة ومريرة على المتورطين البُغاة أفراداً وعصابات وأنظمة.
د. عبد اللطيف عمران