تعدد القوانين وتضاربها أربك مناخ التوظيفات الحقيقية .. هيئة الاستثمار.. حراك على أبواب قانون جديد لجذب الأموال وتوظيفها في العملية الاستثمارية
على مدى سنين ليست بالقصيرة لم نشهد مشروعاً استثمارياً أحدث تغييراً نوعياً في واقع الاستثمار، ولم نسمع عن مستثمر جريء دخل بمشروع نوعي، وبرأس مال كبير، ولأننا شهود عيان على ما أحدثته الحرب لن نلقي باللوم على أحد فيما يخص مخرجات الأزمة اقتصادياً، إلا أن الظروف المحيطة بملف الاستثمار لم تكن مشجعة يوماً على إقبال رجال الأعمال بـ “بأكياس” الأموال، وتوظيفها في البلد، فكيف يمكن لمغترب أو رجل أعمال أن يقتحم قطاع الاستثمار في سورية وهو مازال يعيش دوامة عدم وجود دليل إجرائي واضح يتضمن كل الإجراءات والمدد الزمنية لكل مراحل المشروع الاستثماري؟ إضافة إلى أن تعنت بعض الجهات، وتشبث كل جهة بقانون خاص بها، جعل المستثمر يعيش دوامة لها بداية وليست لها نهاية، وهنا كيف يمكن توظيف الأموال العائدة بمشاريع حيوية وتنموية تنعش هذا القطاع؟ وهل تجد “الدولارات” العائدة طريقها لحضن الوطن ونحن على عتبة قانون استثمار جديد؟.. قد تكون الأيام القادمة خير من يجيب عن هذه التساؤلات.
توظيف العائد
من هيئة الاستثمار بدأنا، حيث طرقنا أبوابها لنرى ما يوجد بجعبتها من أجوبة تطمئن أصحاب رأس المال المقبلين على الاستثمار في سورية، لاسيما مع عودة الأمن والأمان لها، وتهيئتها لتكون أرضاً واعدة وخصبة للمشاريع، حيث اعتبر مدين دياب، المدير العام للهيئة، أن جذب الأموال وتوظيفها في العملية الاستثمارية مسؤولية جماعية تقع على عاتق الهيئة، والوزارات، والجهات المعنية بالاستثمار، حيث تسعى الهيئة لتوحيد الجهود التي تبذلها كل الأطراف الحكومية لقيادتها وتجسيدها كخطوات حقيقية على أرض الواقع للنهوض بالواقع الاستثماري، وتأمين بيئة عمل مناسبة تسهل دخول هذه الأموال إلى الاستثمار بمختلف قطاعاته، وتمنح المستثمرين الضمانات والحماية لمصالحهم في المرحلة المقبلة، لذلك، ومن وجهة نظره، يرى أن تطوير البيئة التشريعية، والإطار المؤسساتي الحاضن للاستثمار، وتوحيد مرجعية الاستثمار، وتبسيط إجراءات إقامة المشاريع الاستثمارية، هو المسار الصحيح والمتين الذي يقود قطار الاستثمار للوصول إلى الأهداف الاقتصادية الوطنية المتمثّلة في إعادة الإعمار، وتحقيق التنمية المستدامة، وللوصول إلى ذلك تعمل الهيئة، بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية بالاستثمار في آن واحد، على موضوع مشروع قانون حديث وموحد للاستثمار في سورية يكون فعالاً وأكثر تنافسية مع دول الجوار، ويقدم حوافز وتسهيلات متنوعة تجذب المستثمر المحلي والأجنبي، وتشجعه على اختيار سورية وجهة لاستثماراته، وبناء منظومة واضحة ومتكاملة من التسهيلات والخدمات المقدمة للمستثمرين لتحسين البيئة الإجرائية والتنظيمية، وجعلها أكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية، بما يضمن تسهيل إجراءات البدء بالمشروع الاستثماري، مشيراً إلى عمل الهيئة الحالي على هيكلة النافذة الواحدة، وإعادة تفعيل دور ممثّلي الوزارات عبر تفويضهم بكافة الصلاحيات من وزاراتهم لتقديم الخدمات اللازمة للمستثمر في كافة مراحل عمر مشروعه الاستثماري بطريقة مبسطة، ومباشرة، وأقل بيروقراطية، على أن يحصل ذلك كله عبر النافذة الواحدة في الهيئة، وبذلك تصبح الهيئة والوزارات أقرب إلى المستثمر، وأقدر على خدمته ومساعدته في حل مشاكله.
فرص حقيقية
ولتقريب أواصر “القربى” بين الفروع، تستكمل الهيئة، بحسب المدير العام، فتح فروعها في المحافظات لتكون أقرب ما يمكن إلى المستثمرين، حيث سيُفتح قريباً مركز للهيئة في محافظة حلب، وآخر في حمص، وبالتوازي مع ذلك وجهت رئاسة مجلس الوزراء لتشكيل فريق عمل برئاستها، وعضوية الوزارات، مهمته الإشراف على وضع خارطة استثمارية شاملة ومتكاملة تحدث دورياً، مع تحديد الأولويات الاستثمارية القطاعية والجغرافية، بما يتناسب والسياسات العامة للدولة، كما تكثف الهيئة العمل حالياً على وضع خارطة استثمارية تقدم فرصاً حقيقية جاهزة للتنفيذ في جميع القطاعات، وتوفر معلومات كافية ووافية عن الفرص الاستثمارية التي تطرحها الوزارات، وتلحظ المشاريع الاستثمارية الناجحة القائمة في كل محافظة، وبناء على ذلك أعاد الفريق تقييم الفرص الاستثمارية المطروحة وفق منهجية جديدة تضمن جعل الفرص الاستثمارية التي تطرحها الدولة، المدعومة بمجموعة من التسهيلات الخاصة، طريقة مثلى لتوجيه تدفق الأموال، سواء المحلية أو الأجنبية، بما يخدم مسارات التنمية، في وقت تعمل الهيئة على خطين متوازيين: الأول الترويج للفرص الاستثمارية التي تطرحها الوزارات والجهات المعنية بالاستثمار، وتقديم مزايا وحوافز مرسوم تشجيع الاستثمار، إضافة إلى التسهيلات الخاصة التي تمنحها الجهة العامة صاحبة الفرصة، والثاني دعم المشاريع التي يطرحها المستثمرون، والتي لدى الهيئة قاعدة معلومات متكاملة عنها.
المشروع الجديد
وعن المزايا التي يجب أن يقدمها المشروع الاستثماري المطروح للتشاركية أوضح دياب بأنه يجب أن يتضمن حوافز مدروسة وموجهة، وربطها بأولوية التنمية، وكسر قالب الحوافز الموحدة لكافة الاستثمارات، وتوجيه رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، بما يتفق مع الطموحات التنموية للدولة من خلال التركيز على الإعفاءات الضريبية، وغير الضريبية، والمزايا المالية للمشاريع حسب طبيعتها ومواقعها في المناطق التنموية، أو بحسب أولويتها القطاعية، وتحفيز المستثمرين لتأسيس المزيد من الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للتداول لتخصيص الموارد والمدخلات الوطنية في العملية الاستثمارية، ومسودة المشروع التي يعوّل عليها دياب، والتي اعتبرها الدكتور في كلية الاقتصاد عابد فضلية مازالت قيد الدراسة والتطوير، ورأى في اهتمام رئاسة الحكومة هذه المرة وتوجيهاتها بتطوير المسودة إلى الحدود القصوى الممكنة أمراً لافتاً، لأن مسودة قانون الاستثمار المطروحة لم تلق الرفض المطلق من أية جهة، بل واجهت العديد من وجهات النظر المختلفة، واعتبر فضلية أن هذا الاختلاف أو حتى الخلاف يمكن أن ينظر إليه أيضاً من زاوية إيجابية، أما بالنسبة لقوة هيئة الاستثمار، فيبيّن الدكتور فضلية أن شأنها شأن أية هيئة أو جهة حكومية أخرى، فعاليتها العملية وقوة قراراتها تأتي من جهة صكوك إحداثها، والصلاحيات التشريعية المتاحة لها، وتتعلق من جهة ثانية بطبيعة عملها، وفيما إذا كانت تتقاطع أو تتعارض مع طبيعة عمل ومهام جهات حكومية أخرى، كما تتأثر من الجهة الثالثة بتجاوب وتفاعل وتعاون الجهات الأخرى معها، لذا بالنسبة لعملية الاستثمار على المستوى الكلي، وبالنسبة لهيئة الاستثمار بحد ذاتها فهي متأثرة سلباً بجميع هذه العوامل سابقة الذكر، وربما بعوامل أخرى إضافية.
دور الهيئة
وأكد فضلية أن هيئة الاستثمار، وغيرها من الجهات الإشرافية والتنفيذية الأخرى، لا يمكنها أن تضع بمفردها خطة استثمارية كلية تنموية مثالية متكاملة، لأن ذلك يتطلب رؤى استراتيجية، وخططاً تنموية على مستوى مجلس الوزراء، وفي إطار عملية شاملة لإعادة الإعمار والبناء، وبالتالي فإن دور هيئة الاستثمار هو دور جزئي يتركز من جهة على تسويق المشروعات الاستثمارية التي لديها دراسات تتضمن جدواها، وموقعها، ورأس المال اللازم لإنشائها، وفي دراسة إقامة مشروعات أخرى جديدة تراها مناسبة، ومساعدة مشروعات استثمارية قائمة متعثرة في إيجاد شركاء أو مموّلين لها، كما تتركز مهامها من جهة أخرى على رعاية ودعم ترخيص وتنفيذ المشروعات الاستثمارية عموماً، لاسيما المرخص منها بموجب قوانين تشجيع الاستثمار الصادرة عنها، ولكن، والحديث لفضلية، في كل الأحوال الهيئة، حتى الآن، ليست جهة تنفيذية.
أولويات
وعن نوع المشاريع الاستثمارية اللازمة حالياً، ولمرحلة إعادة الإعمار على المديين القصير والمتوسط، وصفها فضلية بأنها جميع الأنواع التي يمكن أن تخطر على البال، ولكن ضمن أولويات: (تنموية- تمويلية- زمنية)، إذ إن هناك الأكثر ضرورة مثل مشروعات الطاقة، والبنية التحتية، والإسكان، تليها المشاريع الزراعية، والصناعية، والزراعية الصناعية، لاسيما منها التصديرية، والغذائية، والدوائية، وعلى الأخص تلك التي تُنتج القيم المضافة العالية، وتُتيح المزيد من فرص العمل لذوي الخبرات والكفاءات المتوفرة على أرض الواقع، وتفضيل وتشجيع الاستثمار في المناطق المنكوبة، والمناطق الريفية والنامية، وتضمينه (محفزات حقيقية)، ضريبية مادية، أو غير ضريبية مستدامة واضحة، وشفافة، ومُطمئنة، وليس أقل أهمية تحديد صلاحيات ومهام وحدود عمل ونشاط هيئة وإدارة الاستثمار، وبالوقت نفسه عدم تعارضها، أو تقاطعها، أو اختلافها مع صلاحيات ومهام وحدود عمل جهات أخرى، مع التأكيد على أهمية تأسيس المزيد من الشركات المساهمة العامة خلال المرحلة القادمة، لأسباب عديدة، منها تأمين رأس المال اللازم من خلال تجميع المدخرات العائلية، والفردية، والشخصية، المتوسطة، والصغيرة، وزجها في أقنية الأنشطة المنتجة.
نجوى عيدة