شبابُنا.. والوظيفة العامّة..!؟
ما لا يمكن إنكاره بكلّ مضاضةٍ وأسىً؛ أنّ شوارعنا وحاراتنا باتت تغصّ بالمقاهي والكافتريات؛ التي تعجّ بالشّباب العاطلين عن العمل..!
شبابٌ في ميعة الصّبا، ومقتبل العمر يتمتّعون بوافر الصّحة وبنعم الفتوّة والتّعليم؛ عجزوا عن اجتراح حلٍّ آخر لقضاء الوقت غير المكوث في هذه الفضاءات بلا هدف..!
أغلبهم يتقدم به العمر سريعاً من دون أن يجشّم نفسه عناء التفكير في تغيير أسلوب حياته الكئيب، أو أن يبحث عن حلٍّ لبطالته. معظمهم ينتظر أن تأتي الوظيفة العامّة يوماً على طبقٍ من ذهب، مع يقين أنّها ستتأخر كثيراً. البعض منهم يقع ضحية الإدمان والانحراف، أمّا الناجون من هذه الآفات؛ فقد تاهت ببعضهم مجموعات رفاق السّوء إلى منعطفاتٍ أخرى لا تقلّ سوءًا..!؟
كلّ ما يفعله أبناؤنا هو الانتظار؛ ولا شيء سواه؛ فالحلّ المناسب بالنّسبة إليهم هو وظيفة حكومية قد تأتي، أو تتأخر قليلاً، وقد لا تأتي أبداً. ومن الأسباب التي كرّست هذا الاعتقاد انعدام روح المبادرة والابتكار في ثقافتنا الجمعيّة، والرّكون إلى أنّ الدولة هي الضامن للرّزق، والمسؤول الوحيد عن توفير الشّغل للمواطن..!
وإذا ما علمنا أنّ الشّخصيات الأكثر نجاحاً في العالم؛ لم تكن أبداً من صفوف الموظفين الذين تعجّ بهم المكاتب الحكوميّة، وأنّ الذين برعوا في اكتساب ثروات هائلة في عالمنا اختاروا الابتعاد عن الوظيفة باكراً، وأنّ مشاهير العالم جميعاً؛ الذين تلهج بسيرهم الألسن في شتى أصقاع الأرض، وفي الميادين كافة، وعبر الأزمنة؛ لم يكونوا أبداً من الموظّفين، ولم يُجشموا أنفسهم يوماً عناء البحث عن وظيفة؛ ندرك خطأ تقدير أبنائنا لآفاق مستقبلهم وخطى تلمّس حلول بطالتهم.!
ولا ضير ههنا من إلقاء نظرة خاطفة إلى إحدى الإحصائيات التي تشير إلى أنّ نسبة 75 بالمئة من أغنياء العالم: هم مقاولون، وأنّ نسبة 11 بالمئة منهم: مهنيّون غير حكوميين، و8 بالمئة: رياضيّون، و4 بالمئة: فنّانون، و2 بالمئة: مخترعون، و0 بالمئة: موظّفون..! لنسأل أنفسنا بعدها: لمٓ كلّ هذا الإصرار في مجتمعنا على اختيار أن نكون من بين هؤلاء الذين لا حظّ لهم من الثّروة والريادة والشّهرة.؟!
فأبناؤنا كغيرهم ممن في أعمارهم؛ يحلمون بسيّارة، وبيت زوجيّة أنيق، وسعة في الرّزق، من دون اجتراح المدخلات والسّبل الكفيلة بتحقيق هذه المخرجات من الأحلام! إن لم نقل إنّهم يهدرون أجمل سني شبابهم في المقاهي والنّوادي والحانات دونما هدف..!
وعلينا ألّا ننسى أنّ السّواد الأعظم من الموظّفين الحكوميين حول العالم يندبون حظهم العاثر، الذي ألقى بهم بين المكاتب التي يلفّها الغبار والنّسيان، وجلّهم يتمنى إيجاد مخرجٍ من هذا الفضاء الضّيق الذي اختاره بمحض إرادته، فضلاً عن كونهم يقضون أعمارهم في انتظار الرّاتب الذي لا يكاد يفي بمتطلبات الحيّاة الأساسيّة، في حين ينعم من اختار فضاء العمل الخاصّ بحياة أفضل وأكثر رفاهاً.!
والحال أنّ الآثار السّلبية للبطالة والانحرافات التي تؤسّس لها، كالعمل في الأنشطة غير الشّرعية، كالتهريب والسّرقة وسواها، غدت واقعاً يضع الكرة في ملعب الجهات الحكومية المعنيّة بدراسة واقع سوق العمل بموضوعيّة وجرأة، لتحديد ملامح سيناريو استقطابها المستقبلي، ووضع الآليّات العملانيّة الكفيلة بامتصاصها.
بقدر ما تُرتّب على مؤسسات المجتمع المدنيّ؛ إفشاء ثقافة جمعيّة عمادها: أنّ الخيارات الصّائبة لمستقبل شبابنا؛ تقضي بألّا يهدروا زهوة أعمارهم في انتظار أن يكونوا نزلاء الوظيفة العامّة..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com