سياسات الحرب التجارية: “تصوّروا الخسائر”؟..
نيل إيروين- موقع نيويورك تايمز
ترجمة: باسل الشيخ محمد
من أجل فهم مخاطر بدء إدارة ترامب حربها الاقتصادية، فضلاً عن إغلاق جمعية “أوباما كير” الخيرية أو التهليل للحد من الضرائب، علينا أن نبقي في بالنا نزعة إنسانية قوية هي: “تصوروا الخسائر”.
تبرز هذه النزعة عندما يكون شعور الناس بالألم جراء فقدان شيء ما، أقوى من شعورهم بالسرور جراء تحقيق إنجاز عظيم، على سبيل المثال، تبدو خسارة عشرين دولاراً أشد وقعاً من ربح عشرين دولاراً.
لقد كان وصف هذا “الشعور” محط اهتمام ورقة بحثية تناولت السلوك الاقتصادي للناس في عام 1979، وكانت عبارة “تصوروا الخسائر” هي الاستجابة النفسية الضاغطة عليهم، يقول العلماء: إنها تؤثر على التصرفات بحسب أبحاث عدة، وثمة شعور غريب بأن هذا السلوك سينطبق علينا هذه الأيام في مجال سياسات التجارة التي تقوم بها إدارة ترامب.
فقد تم تصديق واعتماد اتفاقيات تجارية خلال العقود الثلاثة الماضية، وقد عمدت الصناعات الخاسرة إلى القتال بشكل أقوى عبر انتهاج إجراءات حمائية، أما الصناعات التي بدت أنها ستحقق مكاسب، فقد خاضت نزاعاً من أجل الحد من الحمائية.
إن عبارة “تصوروا الخسائر” هي التي يمكن أن تفسر هذا الاختلاف، وبحسب ما نشر عام 2004 و2009 عن الحملات الانتخابية الرئاسية آنذاك فقد تأثر مزاج الأفراد الناخبين بهذه العبارة، ثم أتت انتخابات 2016 وتأثر مزاجهم بما انطوى عليه خطاب حملة ترامب، وهو الذي أولى جل اهتمامه في تلك الخطابات على خسارة الأعمال في صناعات كصناعة الفولاذ على سبيل المثال، وعلى النقيض من ذلك لم يقل ترامب إلا القليل عن المكاسب التي ستحققها صناعات أخرى مثل صناعة الطائرات والإنتاج الزراعي والأدوات الصناعية المتطورة نتيجة إبرام اتفاقيات تجارية ونتيجة الاستيراد.
والآن بات بعض العاملين المستفيدين من العولمة يركزون على الخسائر المرتقبة، مثال ذلك هو قول إحدى العاملات في شركة بي إم دبليو جنوب كارولينا لصحيفة وول ستريت جورنال عام 2016 إنها تشكك بسياسات التجارة العالمية، لأن أقاربها خسروا وظائفهم في محلج قطن بعد أن استمروا بالعمل فيه ثلاثين سنة.
وحالياً، مع سعي ترامب إلى إنهاء نمط تلك العلاقات التجارية التي دامت لعقود، فقد يواجه مخاطر تثير الفوضى من حوله، لتصبح عبارة “تصوروا الخسائر” هي ما يفكر به العاملون في مجال التجارة.
ومع مرور الوقت، اتضح أن أكثر الخاسرين من الحرب التجارية هم الشركات والعاملون المستفيدون الذين استفادوا من العولمة، حيث سترى تلك الشرطات ومعها أولئك العمال أن أرباحهم ودخلهم المالي صار عرضة للخطر، ومع رد الصين وكندا والاتحاد الأوروبي على فرض الولايات المتحدة على التعرفة الجمركية، فإن الرابحين من التجارة هم المعرضون للخسارة منها.
وبالتالي، إن استمر الجميع يتوقعون تعرضهم للخسائر، فإن الفائزين بالحرب الاقتصادية، أي منتجي الفولاذ والألومينيوم المحليين على سبيل المثال، قد يشعرون بالرضا عن النفس بسبب تلك المرابح تماماً كما كان حال المستفيدين من العولمة على مدى عقود.
وهنا تقول البروفيسورة باتريسيا توفار رودريغيز التي ألفت في العام 2009 ورقة بحثية حول مفهوم “تصوروا الخسائر”: “إن كل الدلائل تشير إلى أن خسارة شيء ما يؤلم أكثر بمرتين من كسبه، لذلك فقد يسعى الخاسرون إلى التعاضد وشد أزر بعضهم البعض لإزالة القيود التجارية”.
وتوافق هذا الرأي كارولين فروند التي ألفت ورقة بحثية عن الموضوع نفسه عام 2004 وقد قالت: “إن الأنماط القديمة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب” ولاحظت وجود مشاكل أخرى: “ففي الماضي كانت الديناميكية أصغر، وأصبحت الصناعات الهاوية نداً اقتصادياً ذا قوة قادرة على فرض نفسه، أما الآن فقد باتت هذه القطاعات خاسرة كصناعة السيارات مثلاً مقارنة بالصناعات التي من المتوقع أن تحقق مكاسب مباشرة كصناعتي الألمنيوم والفولاذ”.
تعلق كارولين بالقول: “إن التعاضد في مواجهة سياسة ألحقت أضراراً هو الجمع الذي يغدو أقوى، ولا سيما إذا استأثر طرف واحد بالمرابح لنفسه”.
إن تداخل العامل النفسي الإنساني والاقتصاد والسياسة أمر معقد، وما من طريقة أكيدة يمكن بموجبها معرفة تشكيل البشر لآرائهم في قضايا سياسية نتيجة تأثير قضايا أخرى مثل الاقتصاد والصحة والضرائب، وذلك على عكس المنطق الذي يتحرك وفقاً للاقتصاد.
لكن عبارة وأثر “تصوروا الخسائر” هي ذات تأثير قوي على الناس وعلى تشكيل الرأي العام، وربما نشاهد قريباً بعض من كانوا فائزين في قتال العولمة، وهم يحاولون تفادي خسارة الحرب الاقتصادية بأقصى ما لديهم.
هل ستكون المرحلة المقبلة مرحلة رد الفعل الطبيعي -من الناحية السايكولوجية- لقادة العالم في مواجهة حرب اقتصادية تمتاز أدبياتها بالإذلال وتهديد المصالح التجارية، وهل يمكن لإدارة ترامب أن تتصدى لموجة ردود الأفعال التي من المرجح أن تتخذ شكل العمل المشترك الذي يجمع جهود الدول الصناعية؟ ربما تقول أدبيات المؤامرة: إن ما قامت إدارة ترامب به فاتحة عهد جديد لاحتواء الصين خاصة والغرب بشكل عام، إلا أن تصور الدول الصناعية للخسائر المحيقة بها قد يدفعها إلى اتخاذ كل ما يلزم من أجل الحفاظ على مقدراتها الاقتصادية، ولئن كان ترامب يعتقد أن (لكل شيء ثمناً)، فلربما غاب عن ذهنه أن من يشعر بالخطر قد يتصرف وفق المثل (علي وعلى أعدائي).