الاتحاد الأوروبي يستعد لفشل مفاوضات “بريكست”
يسود القلق دول الاتحاد الأوروبي من الانعكاسات الخطيرة التي ستنجم عن مغادرة بريطانيا للاتحاد، وخاصة إذا فشلت المفاوضات حول اتفاق ينظّم هذا الانفصال، في وقت يزداد فيه الجدل داخل بريطانيا حول هذا الأمر، وينقسم الشارع بين مؤيد لخطة ماي حول الانفصال عن الاتحاد ومعارض لها.
فقد أكدت المفوضية الأوروبية أمس أنه على الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والشركات “تكثيف استعداداتها” للانعكاسات التي ستنجم عن مغادرة بريطانيا للاتحاد المقررة في نهاية آذار 2019.
وجاءت هذه الدعوة قبل وصول المفوض البريطاني الجديد لـ”بريكست” دومينيك راب إلى بروكسل عقب التمرّد في حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي بسبب استراتيجيتها للخروج من الاتحاد الأوروبي.
ودعت المفوضية الأوروبية “الدول الأعضاء والجهات الخاصة إلى تكثيف استعداداتها” لمواجهة جميع النتائج بحلول موعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وقالت: “لا يزال من غير المؤكد أن يتم التصديق على اتفاق الانسحاب في ذلك التاريخ”، وأشارت إلى أنه “إذا لم يتم التصديق على اتفاق الانسحاب قبل 30 آذار 2019، فلن تكون هناك فترة انتقالية، وسيتوقف تطبيق قانون الاتحاد الأوروبي” في المملكة المتحدة.
وفي حزيران 2016 صوّت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن المفاوضات لم تبدأ سوى بعد عام، وتعثرت مراراً منذ ذلك الوقت.
وكان من المقرر أن يلتقي راب بمفاوض الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنيه، وذلك بعيد استقالة سلفه ديفيد ديفيس برفقة وزير الخارجية بوريس جونسون احتجاجاً على خطة “بريكست” التي تنص على إبقاء بريطانيا قريبة اقتصادياً من الاتحاد الأوروبي.
وتواجه رئيسة الوزراء البريطانية تمرداً داخل حزبها، زاد من متاعبها، وألقى بظلال ثقيلة على مفاوضات الانفصال.
ويرجّح الاتحاد الأوروبي بقوة فرضية فشل المفاوضات في ظل عجز ماي عن حل الأزمة الداخلية ولملمة جراح حزبها، بعد أن حذّر وزير الخارجية المستقيل جونسون أمام مجلس العموم البريطاني من أن خطة ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي قد تترك بريطانيا تابعة اقتصادياً للاتحاد، مشيراً إلى أن على الحكومة تغيير استراتيجيتها.
وحث وزير الخارجية البريطاني السابق الحكومة على تغيير استراتيجيتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، قائلاً أمام مجلس العموم: إن “الوقت لم يفت لإنقاذ بريكست”.
وفي أول كلمة له في مجلس العموم منذ استقالته الأسبوع الماضي، جدّد الوزير السابق المعارض للاتحاد الأوروبي، انتقاده لخطة ماي لإقامة علاقات اقتصادية وثيقة مع الاتحاد، محذراً من أن خطتها ستترك بريطانيا “في حالة دائمة وتعيسة من الرقص على الحبال”، ومن التبعية الاقتصادية لأوروبا، إلا أنه أكد أنه “لم يفت الوقت لإنقاذ المفاوضات”، مشيراً إلى أن المشكلة لم تكن أن بريطانيا فشلت في إقناع بروكسل بالتوصل إلى اتفاق تجارة حرة، “ولكننا حتى لم نحاول”، وتابع: “علينا أن نحاول الآن لأنه لن تتاح لنا فرصة أخرى للقيام بذلك بالشكل الصحيح”.
وكان نصف أعضاء مجلس النواب غائبين أثناء إلقاء جونسون كلمته، إلا أنه كان محاطاً بأعضاء مناهضين للاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين بينهم ديفيد ديفيس، وزير بريكست السابق، الذي استقال من الحكومة الأسبوع الماضي بسبب خطة ماي.
وغابت رئيسة الوزراء أيضاً عن الكلمة لأنها كانت تدافع عن خطتها أمام أعضاء لجنة الاتصالات في المجلس، حيث واجهت استجواباً قاسياً من المدافعين بشدة عن الانفصال، ودافعت عن اقتراحاتها، ووصفتها بأنها “صائبة”، وقالت: “نحن نقدم ما صوّت من أجله الناس”.
واعتبر جونسون أن ماي عادت عن “رؤيتها الرائعة” حول بريكست التي اشتملت على الانفصال عن محاكم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، وإبرام اتفاقيات تجارة جديدة، وأضاف: في الأشهر الـ18 الأخيرة “يبدو كأن ضباباً من انعدام الثقة بالذات قد هبط.. وتعثرنا وأحرقنا رأس مالنا التفاوضي”، مشيراً إلى الاتفاق على دفع مليارات الجنيهات لتسوية التزامات بريطانيا المالية قبل التوصل إلى أي اتفاق تجارة مستقبلي.
وطالب جونسون البريطانيين “بالإيمان بهذا البلد”، وقال: “الوقت ينفد، وإذا استطاعت رئيسة الوزراء إصلاح تلك الرؤية مرة أخرى، فأعتقد إذاً أنها تستطيع أن تقدم لبريطانيا بريكست عظيماً”.
ورحّب نواب مناهضون للاتحاد الأوروبي بكلمة جونسون ووصفها النائب المحافظ اندرو روزينديل بأنها دعوة “مذهلة” لبريطانيا إلى “أن تثق بنفسها كشعب للتوصل إلى بريكست حقيقي”، إلا أن منتقدين للوزير السابق قالوا: إنها مجرد خطاب حماسي من الخطابات التي يشتهر بها جونسون.
وقال النائب ديفيد لامي من حزب العمال المعارض: “يبدو أن أجرة بوريس جونسون مقابل إلقاء الكلمات بعد حفلات العشاء قد انخفضت أسرع من انخفاض الجنيه الاسترليني بعد خطاب الاستقالة الكئيب المليء بالمدح الذاتي”.
أما النائب ويست ستريتنغ من حزب العمال الذي يؤيد إجراء استفتاء ثانٍ على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقال: إن الكلمة كانت “فارغة”.