نهاية الكرة الجميلة والنجم الأوحد في مونديال البقاء للأذكى
انتهى المونديال الكروي الأنجح بالتنظيم والمفاجئ بالنتائج، ومعه تغنت فرق بانتصاراتها، وأخرى تمنت لو يعاد التاريخ، وكل يشترك بقاسم مهم، البدء بالحسابات للقادم من المناسبات، وهنا موضع المشكلة، فمراجعة أهم المحطات المونديالية لا يقتصر على الفرق الخاسرة فقط، بل يكون أكثر حزماً ودقة عند الفرق التي وصلت المربع الذهبي خصوصاً، ومن وجهة نظر صحافية رياضية يمكن أن نلخص هذه المحطات.
أَثنَت كبريات الصحف الأوروبية باستضافة روسيا لكأس العالم، فانتشرت الأجواء الاحتفالية في موسكو، وباقي المدن الروسية التي تستضيف المباريات، كما يحسب للروس غياب الشغب بين الجماهير، وخاصة في الشوارع بعد انتهاء المباريات، حيث لم تظهر أية حالات شغب خارج الملعب، بالنظر إلى ما شهدته فرنسا من حوادث عديدة خلال تنظيمها لبطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2016.
تحدث الكثيرون عن جودة الكرة، ولكن الملعب وأقدام كريستيانو رونالدو، وأنطوان غريزمان، وغيرهما أثبتت العكس، وعن البطاقات الحمراء يعدّ المونديال الأقل إشهاراً لها على الإطلاق بأربع بطاقات.
وبالنسبة للتشكيل يمكن وعلى الفور ملاحظة انخفاض الاعتماد على كثرة المهاجمين، بل الاكتفاء برأس حربة صريح لأكثر التشكيلات، مع الاتكال بشكل كبير على الأجنحة ووسط الميدان، ويمكن اعتبار أخذ الفريق المتوّج مثالاً لذلك.
وإذا أردنا إعطاء سمة واحدة واضحة للمباريات الإقصائية ستكون بالتأكيد الركلات الثابتة، لعبت فيها تقنية الفار الدور الأهم لاحتسابها، وإحصائياً سجل 68 هدفاً في 62 مباراة من ركلات ثابتة بنسبة 42% (بحسب الفيفا طبعاً)، ويرجع الاعتماد عليها للعديد من الأسباب في مقدمتها تخلي الكثير من المنتخبات عن الاحتفاظ بالكرة، والاعتماد على الخطط الدفاعية، ومن المعروف أن التدريب على الركلات الثابتة أسرع وأكثر فاعلية من التدريب على طرق اللعب والحلول الهجومية خلال فترة التحضيرات، لذا أصبح مهماً التعامل الدفاعي مع تلك الركلات، وكيفية مواجهتها، والتعامل مع الكرات الهوائية التي تغزو منطقة الجزاء لحظة الركلة الثابتة، وإلا يكون الثمن خسارة المباراة وربما اللقب.
وربما يتفق الجميع على أن المونديال الـ 21 أنهى فكرة اللاعب النجم ليحلّ مكانها الفريق النجم، فجميع المنتخبات التي اعتمدت على نجم واحد ودعت المنافسات مبكراً كمصر، والبرتغال، والأرجنتين، والبرازيل، وبالتالي رسخت البطولة نجاعة الأداء الجماعي، ومثالنا ما قدمته منتخبات بلجيكا، وكرواتيا، وروسيا، وايسلندا، فخلال السنوات القليلة الماضية تمسك العديد من المدربين بأفكارهم الدفاعية التكتيكية المتحفظة، وتدريجياً بدأت الكفة تميل لأفكارهم تلك، وباتت محور الحديث وطريق البطولات، وإذا استندنا إلى الإحصاءات، وجدنا أن اسبانيا كما هو متوقع الأكثر استحواذاً على الكرة بنسبة 68.8%، تليها ألمانيا فالأرجنتين، وجاءت فرنسا بطلة العالم في المركز الـ 13 وبعد كل الكبار بنسبة 51.9%، والوصيف كرواتيا جاء ثامناً بنسبة 55.1%.
وبالرغم من استخدام تقنية الفار ولأول مرة بهدف تقليل أخطاء الحكام، استمرت الأخطاء التحكيمية، بل واشتكى الكثيرون من هذه التقنية، وبخاصة المنتخبات العربية، لكن هذا لا يعني أن استمرارها وتطويرها بات ضرورة قصوى لتظهر بشكل أفضل في البطولات القادمة سواء على صعيد الأندية أو المنتخبات.
ويجب ألا ننسى أيضاً المفاجآت التي حدثت بإقصاء المنتخبات الكبيرة، وبالتالي انتهاء احتكارهم للكؤوس، وهو أمر لا نشهده على صعيد الأندية العريقة إلا نادراً، ومحبو أسطورتي القرن الماضي بيليه ومارادونا منّوا أنفسهم بأن هاتين الجوهرتين حالة فريدة من نوعها في البطولة العريقة، لم تتكررا حتى الآن، وربما من الصعب أن تتكررا في البطولات القادمة.
وأخيراً لن نبخس حقّ مدربي كأس العالم، فلطالما دار الجدال حول نسب الفضل للمدرب أم للاعبيه، لكن مونديال روسيا انتصر للمدرب، وأكد أنه العنصر الأهم عندما ترجح كفة التكتيك على المهارات الفردية، فأصبح المدرب بطل منتخبه يوظف لاعبيه جيداً، ويفرض شخصيته، كحال مدربي فرنسا، وكرواتيا، وبلجيكا.
سامر الخيّر